صلاح عبد الصبور.. الحزن حكمة الشاعر

  • 5/15/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» رحل صلاح عبد الصبور في الخمسين من عمره، ولو كان بيننا الآن لكان أتم عامه السادس والثمانين في الثالث من مايو/ أيار، لكن صلاح عبد الصبور رحل في الثالث عشر من أغسطس عام 1981 في واقعة شهيرة جرت في بيت الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وكان جابر عصفور أحد حضور وشهود ما جرى، وهو في هذا الكتاب الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يقدّم لنا مجمل دراساته عن صلاح عبد الصبور تحت عنوان «رؤيا حكيم محزون»، ويستعرض في مقدمة الكتاب بداية علاقته بصلاح عبد الصبور وكيف تطورت ونمت، منذ أن التقى به في مكتبه بالهيئة العامة للكتاب في أحد شهور عام 1969.يوضح جابر عصفور أنه فتن بشعر صلاح عبد الصبور وصار من حفاظه ومتذوقي إيقاعه، وكان أول بحث يقدمه لأستاذه شكري عياد بعنوان «تطور الوزن والإيقاع في شعر صلاح عبد الصبور» وانكبّ على البحث ليظهر الفارق بين دواوين صلاح عبد الصبور التي رآها آنذاك، أشبه بأدوار في بناء صاعد، وبدأ بما توصل إليه في «الناس في بلادي» من قصائد عمودية رومانسية الطابع، محاولاً إظهار أثر الشعراء الذين تأثر بهم صلاح عبد الصبور، وتوقف طويلاً عند علاقة حركة التفاعيل بحركة المعنى والانفعال في آن.في اللقاء الأول مع صلاح عبد الصبور، والذي أشار إليه عصفور، تحدث الشاعر عن حبه لإبراهيم ناجي، وأنه كان يذهب إليه في عيادته بشبرا، كذلك قص عليه علاقته بدواوين علي محمود طه، الذي لم يكن يأنس إليه كما كان يأنس لروح ناجي العذبة، وحين تحدّث إليه جابر عصفور عن تأثيرات ماركسية ووجودية في ديوانه الأول، انطلق الشاعر يحكي عن علاقته بالشيوعيين المصريين وصلته بهم، لكن موقفه المتعاطف معهم سرعان ما تغير عندما تأمل الدبابات السوفييتية وهي تقتحم مدينة براج، لم ير فيها سوى عملية غزو استعماري بوجه مختلف، من هنا بدأت أفكاره في التحوّل، وتحوّل إيمانه بالاشتراكية إلى إيمان بالعدل الاجتماعي والنزعة الإنسانية على السواء، ولذلك جاء ديوانه الثاني مغرقاً في التأملات الوجودية، باحثاً عن الإنسان الذي حلم به.يرى عصفور أن هذا الموقف يبرر الهجوم اليساري الكاسح على الديوان الثاني للشاعر «أقول لكم»، حيث لم يجد الرفاق القدماء التفاؤل الثوري القديم والحس النضالي في مقاومة الاستعمار، بل رأوا إغراقاً في الميتافيزيقا ونزعة تشاؤمية، فكان من الطبيعي أن يهاجم نقاد اليسار الديوان، خصوصاً فيما انطوى عليه من نزعة رسولية، يلخصها العنوان «أقول لكم» الذي هو مأخوذ من عبارة السيد المسيح: «الحق أقول لكم».لكن جاء ديوان «أحلام الفارس القديم» بما وازن الأمور، إذ نجح صلاح عبد الصبور في أن يوازن بين النزعات الغنائية والنزعات الفكرية، وابتعد عن التجريد بما جعل الأفكار المجردة تذوب تماماً في المحسوسات، ويشير عصفور إلى أن هذا الديوان «أكثر دواوين صلاح نضجًا» ويلتقط عدة ثيمات في قصيدة صلاح ومنها: «كانت السخرية كالحزن، كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر صلاح عبد الصبور كله».وقبل أن يتركه عصفور سأله: لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟ وكما يقول عصفور: «نظر إليّ كما لو كان ينطوي على نوع من الرفق بي، لكنه سألني: وما الذي يفرح في هذا الكون؟ واستمرت صداقتي بصلاح عبد الصبور الذي كنت أزداد احتراماً له كلما مضى قطار العمر بنا، فكان لا يكف عن القراءة، ومفاجأتي دائما بما ينبغي أن أقرأه، ولم أر قارئاً نهماً مثله، وعاشقاً للثقافة التي لا ضفاف لها».الخلاصة كما يوضح عصفور أن صلاح عبد الصبور كان يخفي تحت رقّته الآسرة سوء ظن متأصل بالبشر، وسوء ظن ملازم بالمرأة، وكان في حياته وشعره عقلانياً بالمعنى الفلسفي، وهذا هو السبب في تمسكه بالحداثة على طريقة ت. إس. إليوت، وليس على طريقة الحداثة الفرنسية التي تأثر بها أدونيس والمدرسة اللبنانية، صلاح عبد الصبور- كما يؤكد عصفور- واحد من هؤلاء الشعراء الذين لا يتكررون كثيراً في تاريخ الشعر.

مشاركة :