الكتاب المسموع والأذن القارئة هيثم حسين مع تغيّر أنماط الحياة المعاصرة في ظلّ التسارع الذي نشهده على مختلف المستويات، ولا سيّما في المدن الكبرى التي تفرض على قاطنيها نمطاً معيّناً من العيش والتحرّك والسفر، تشتدّ الحاجة إلى تطوير سبل القراءة لمواكبة هذا التغيّر والتطوير، كي يتمّ استغلال الوقت المهدور في وسائل المواصلات أو في انتظار تأدية بعض الأعمال والمهامّ، وهنا قد يعتبر الكتاب الصوتيّ؛ المسموع، من أبرز أدوات التغيير في العادات القرائية أو تجديدها وتوسيع مداها. لا تقتصر فائدة الكتاب المسموع على فئة بعينها، ولا تكون مجدية لفاقدي البصر، أو من ذوي الاحتياجات الخاصّة فقط، بل تتّسع لتشمل مختلف شرائح المجتمع، وهنا لا تكون العين هي القارئة، بل الأذن، تكون القراءة عبر الأذن، عبر الاستماع، وسيلة التفاف على طريقة القراءة التقليدية، ودرباً للوصول إلى المتعة والفائدة المرجوّتين. تنتشر تطبيقات الكتب الصوتية والأعمال المنتجة بطريقة مسموعة في وسائل الاتّصالات، وصار بالإمكان الاستعانة بها لملء الفراغ أو استغلال الوقت المهدور، وسدّ ثغرة انعدام القراءة أو ندرتها عند كثيرين بذريعة أنّهم لا يملكون الوقت لها. قد تستمع إلى رواية بطريقة صوتيّة، بينما أنت تقود سيارتك في رحلتك اليومية إلى العمل، أو بينما تسير بك الحافلة إلى أمكنتك المعتادة، سواء كانت أمكنة دراسة أو عمل أو سياحة أو ترفيه، كما قد تضع السمّاعة وتغوص في عالم القراءة وتنسى الضجيج من حولك، أو يمكن أن يؤنسك صوت القارئ أو القارئة بينما أنت تتهيّأ للنوم.. أي هناك سبل كثيرة لاستغلال الوقت المهدور بأمر مفيد وتجاوز عقبة الكتاب المطبوع وحمله والتنقّل به. يتحوّل السرد القصصيّ أو الروائيّ في الكتاب المسموع إلى أغنية رقيقة تؤنس وحشة المستمع القارئ، وتبدّد عزلته التي تحيط به وسط جمع من الناس من حوله، تلك العزلة التي تتبدّى كشكل من أشكال الحياة المعاصرة في المدن الكبرى؛ المدن التي يمكن توصيفها بمدن الغرباء. ترحل أصوات القرّاء بالقارئ المستمع إلى عوالم الحكايات، يشعر معها بقيمة الوقت ولا يعتبر المسافات بين الأمكنة التي يتنقّل فيما بينها عبئاً يوميّاً يجثم على صدره، بل ستتحوّل علاقته معها إلى رابطة قراءة ومتعة، وستتحوّل رحلاته التي كانت تشوبها الرتابة إلى عالم ثريّ منفتح على الجديد في الأدب والفكر. الكتاب المسموع يمكن أن يكون خلّاً معاصراً بدوره للقارئ، ويشكّل له موسيقى سرديّة خاصّة، تهدّئ إيقاع حياته المتسارع، وتخفّف وطأة السفر والترحال عليه، وتعقد مصالحة بينه وبين وسائل النقل، وساعات الانتظار، كما قد تعقد صلات صداقة جديدة مع الأصوات والأدباء من ورائها. كاتب سوري سراب/12
مشاركة :