من رحم الحصار بدأت، ومن قلب المعاناة نضجت، ابنة غزة الذكية الطموحة التي حطمت صخرة الفشل، وسطعت بشخصيتها وخطفت الأمل من طريق الدموع، فصلت طريقها بنفسها وخاطت أحلامها بيدها إلى أن وصلت وحققت كل ما تحلم به.. نرمين الدمياطي أول مصممة أزياء بغزة تخرجت في الجامعة الإسلامية (بكالوريوس تاريخ وآثار)، كانت تحلم بأن تصبح مصممة أزياء عالمية، وحققت ما حلمت به من خلال التحاقها بدبلوم تصميم الأزياء في اتحاد الكنائس. وقالت نرمين في حديثنا معها: "للعرائس بداية منذ الصغر"، حيث كانت تفصل لها الملابس والأطقم، وتضيف لمساتها الطفولية على عروستها لكي تتجمل في نظرها، فالموهبة خلقت مع ولادتها، ونمت مع عروستها شيئاً فشيئاً حتى أصبحت جزءاً من شخصيتها الفنية التي ترسم ملامحها في كل نظرة من نظراتها، الحلم يكبر في ملابسها، التي بدأت تضيف عليها لمساتها الخاصة وتنمّي موهبتها بملابسها الذاتية التي كانت تلمح نظرات الإعجاب بفنها من المحيطين بها، فرسمت خطة النهوض من ركام المجتمع الغزي، ونظرته السلبية. تصميم وتحدٍّ وسلكت نرمين الدمياطي طريقها المحفوف بحصار العادات والتقاليد ونظرة الناس لتصميم الأزياء باعتباره مهنة الخياطة التي كانت تمتهنها الفتاة التي تفشل في تعليمها، ولكونها متعلمة وخريجة جامعية ارتطمت أولى خطوات تحقيق حلمها برفض الأهل هذه المهنة واعتبارها مهنة الفشل الدراسي، ويجب عليها ألا تخوض هذه التجربة لنظرة الناس السلبية لها. فعقدت الهمة حتى اعتلت القمة وكانت أول غزية تقتحم مجال التصميم ونمت موهبتها من خلال الإنترنت، تلك القرية الصغيرة التي تجعلك تلف العالم وأنت في مكانك والتي فتحت البيوت وعلمت المجتمع ما كان يسافر بلاداً وأراضي من أجل معرفته. سخرت كل الظروف لصالحها وتابعت المواقع وحصرت متابعتها في مجال التصميم والأزياء العربية والإسلامية وحتى العالمية، وتحوِّلها بمهاراتها إلى أزياء تتناسب مع مجتمعنا المحافظ. الصخرة الثانية التي وقفت في طريق الدمياطي، هي كونها من قطاع غزة الذي يعاني حصاراً خانقاً وقلة موارده الخام في السوق والتي تحتم عليه الاستيراد من الخارج، وهذا صعب للغاية في ظل الظروف الراهنة، ولكن ليس للطموح حدود وليس للهدف مستحيل إن وُجدت الإرادة ورُسمت الخطة للتحقيق، ذلك ما حفظناه منذ الصغر، فالفتاة أصبحت مثقفة بدرجة تجعلها تسخر العقبات إلى سلم تنهض به وتتسلق طريق الإبداع. فاستغلت الإعلام والعلاقات الاجتماعية في ترويج فكرتها واستكمال مشروعها الصغير، وعملت على نشر ثقافة الأزياء بين أبناء جيلها في غزة حتى نجحت في تحقيق الرضا الكافي من أبناء مجتمعها وتقبُّل فكرة مشروعها وأصبح الإقبال عليه كبيراً إلى حد ما؛ لكون مجتمعنا يرتاح لفكرة التعامل مع المرأة في مهنة الأزياء أكثر من الرجل، ووجود الأريحية في هذا المجال حقق النجاح المتوقع لمشروعها، حيث يناسب العائلات المحافظة والمرأة والفتاة المحجبة، وبالإضافة للأسعار المتوسطة التي اعتمدتها في تعاملها مع الجميع، والنوعية الجيدة للأقمشة، والبعد كل البعد عن التلاعب والغش في المواصفات. حلمها يتحقق وإنجازها يتزايد بعد الشهرة الواسعة التي حققتها الدمياطي، كبر الحلم وتعززت الثقة بالنفس، ورأت أن تستثمِر النجاح وتكبِّر مشروعها؛ فافتتحت أول مكتب لتصميم الأزياء وأقامت أول معرض لعرض الأزياء ذات الطابع المحلي، حتى أصبح لديها طاقم فني تعمل على تدريبه، وأسهمت بشكل كبير في عمل الكثير من الفتيات، وتعزيز هذا المجال وتقبُّل المجتمع فكرته. الوصول للعالمية والتدريب على أيدي خبراء عالميين في مجال الأزياء هما حلمها المقبل الذي تسعى لتحقيقه وتتمنى أن يوفقها الله فيه، وتعمل بكل جد وجهد لكي يصل صيتها وشهرتها إلى حد يؤهلها للسفر وتكملة دراستها في الخارج وتحقيق المعرفة والخبرة الكافيتين للتأهل للعالمية، وتكبير مشروعها الذي بدأته من الأرض المحاصرة والتي لن تتركها مهما كانت الظروف وحققت النجاحات التي ترغبها. الجهد الكبير والطموح سبب أي نجاح رضا الله، ومن ثم رضا الوالدين، أول أسباب النجاح في أي مشروع أو عمل يفكر فيه الإنسان، ثم يأتي الدور الذاتي؛ وهو الجهد الكبير والوقت الطويل وعدم الاتكال على ظروف المجتمع ونظرته السلبية للمرأة والفتاة العاملة. وأضافت الدمياطي أن وسائل الإعلام واستغلالها بالشكل الجيد سبب رئيسي من أسباب تحقيقها نجاحها في هذا المجال، حيث إنها اعتمدت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي في ترويج مشروعها، وكونت الخبرة والمعرفة الكافيتين من خلال الإنترنت. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :