"الاستطلاع الأخير" صورة افتراضية لعالم ما بعد الانهيار العظيم بقلم: طاهر علوان

  • 5/15/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الاستطلاع الأخير صورة افتراضية لعالم ما بعد الانهيار العظيمفناء العالم ليس صورة فانتازية ولا مجرّد فكرة طريفة، بل هو ثيمة جوهرية في سينما الخيال العلمي وإن جرى تداولها وإعادة إنتاجها بأشكال وأساليب شتى، والكل يسعى لأن يخرج من التكرار والرتابة اللذين درج عليهما قسم لا يستهان به من الأفلام السينمائية المنتمية إلى هذا النوع. لكن في المقابل هنالك افتتان بالفكرة حتى لو لم تكن النتائج في المستوى المأمول، غير أن الأساس هو أن تتكامل صورة من صور الخيال العلمي المرتبطة بالديستوبيا والحياة ما بعد انتهاء الحرب والصراعات.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/05/15، العدد: 10633، ص(16)]رحلة بحث عن كوكب نجاة يعالج فيلم “الاستطلاع الأخير” للمخرج سيمون فيليبس (إنتاج 2017) ثيمة ما بعد الانهيار العظيم، حيث يكون العالم قد فني أو هو في طريقه إلى الفناء بسبب حرب إلكترونية نووية طاحنة يُفترض أنها سوف تقع في عام 2065، حيث تقع مواجهة بين الولايات المتحدة والصين ينتج عنها احتراق العالم برمته واضطرار الناجين من البشر إلى ركوب إحدى السفن الفضائية، بحثا عن حياة في كوكب بديل يحفظ لمن بقوا من الجنس البشري أدوارهم في المستقبل وإحساسهم المتجرّد بأنهم يحملون خاصيات وطباعا وأفكارا وتوجهات تخص مجموعة بشرية دارت عليها الدوائر. يبدأ الفيلم فيما المركبة الفضائية تجوب الآفاق وهي تقلّ خليطا من الأطفال والنساء، فضلا عن القابلية الفريدة لرسم صورة افتراضية لعالم ما بعد العاصفة، وكيف سيتحول الناجون إلى مجتازين للآفاق وراحلين مجددا نحو المجهول، وهم خلال ذلك يكونون قد خرجوا من جوف الصراعات السياسية التي أفضت إلى ذلك الخراب، ليدخلوا في دوّامة جديدة مفادها أنّ الناجين لا يستطيعون التجرّد مما كانوا فيه، وصولا إلى حالة من الصراعات التي تنشب بينهم والتطرف الذي يولد هناك. واعتمد الفيلم على الحوارات إلى حد كبير، حوارات متشعبة ومطولة ربما أراد المخرج من تعميقها ردم فجوة الثقافات والتوجّهات المتشعبة، فضلا عن محاولة تجاوز العامل المكاني الضيق الذي تمثله المركبة الفضائية، وهو ما اجتهد فيه المخرج إلى حد بعيد محاولا إيجاد معادل موضوعي رصين يقود الأحداث دراميا ويحقق متعة المشاهدة في الآن ذاته. وفي هذا الصدد لم يكن هنالك بدّ من زج الصراعات الدرامية في الأحداث، بل هي صراعات مفضية إلى دوامة من العنف تضرب حتى الناجين الذين يبدو أن من بينهم من يرى في العنف بديلا موضوعيا لتأكيد الذات والسيطرة ورجاحة الموقف، وهو ما يمثله جيري (الممثل باول توماس أرنولد) الذي سرعان ما يتحول إلى وحش بشري لا يتورع عن قطع شرايين أحد زملائه الذين نجوا من محنة انتهاء العالم وانهيار الكوكب.لا ينتمي فيلم سيمون فيليبس إلى نوع أفلام الخيال العلمي عالية التكلفة، بل بدا إنتاجيا مقتصدا ومدروسا في اختصار وتقليل المتطلبات الإنتاجية على صعيد السرد الفيلمي، وبسبب تعدد الشخصيات سعى المخرج إلى إيجاد عدد من الخيوط السردية المتشابكة بهدف المزيد من التشويق ومنها مثلا الإيحاء بإيجابية شخصيات في مقابل شخصيات أخرى لا تُعرف دوافعها، بل هي مسرفة في الكراهية، وخلال ذلك تم التركيز على القبطان الذي يقود المركبة الفضائية (الممثل باول غراي). على أن الحبكة الثانوية التي قلبت الأحداث بشكل تام هي اكتشاف مركبة فضائية صينية مسلّحة تلاحق فضائية الناجين وتستهدفهم، مما يدفع فريق الناجين إلى اقتحام تلك المركبة بغرض التعرف على حقيقة مكوناتها وقياداتها. ولأن الفيلم يقع في زمن مستقبلي فقد تم زج العناصر والمؤثرات البصرية بكثافة في السياق الفيلمي، وبذلك قدم ملمحا تعبيريا بارزا أثّر في شكل الفيلم، على أساس أن تلك التكنولوجيا الرقمية سوف تصبح عنصرا فعالا في الأحداث وفي الكشف عن بعض الملابسات والغموض، خاصة مع سلسلة الجرائم التي وقعت على متن المركبة الفضائية. ولعل تعدد الشخصيات، أو قلْ تنوّعها، كان بمثابة إضافة نوعية عززت جمالية الأداء ومنحت الفيلم طابعا تعبيريا إضافيا، لكن مع نوع من الرتابة من خلال محاولة الشخصيات أن تكون لها مهمة ووظيفة مختلفتان عمّا سواهما، وهو ما أثقل بشكل واضح الإيقاع الفيلمي مخلّفا إحساسا بالملل والتكرار في بعض الأحيان. لا ينتمي هذا الفيلم إلى نوع أفلام الخيال العلمي عالية التكلفة، بل بدا إنتاجيا مقتصدا ومدروسا في اختصار وتقليل المتطلبات الإنتاجية واعتمد بدلا عن ذلك على فكرة “المنقذ”، وهي فكرة تتكرر في أفلام الخيال العلمي، لكنها في هذا الفيلم أريد لها أن تكون بارزة ومتميزة. وقدم الفيلم منذ المشاهد الأولى ومن خلال لقطات وثائقية صورة الكوكب الأرضي وهو حافل بالحياة البرية والتنوع البيئي والحياتي، وإذا به يفقد كل تلك البراءة عندما تعصف به إرادة سياسية حربية مجنونة تتمثل في الصراع النووي المدمر ما بين العملاقين (الولايات المتحدة والصين) الذي يؤدي فيما بعد إلى دمار هائل ولا حدود له، يجعل الكوكب الأرضي غير صالح للعيش، وما بين الصورتين امتدت فصول الدراما الفيلمية لتقدم لنا حصيلة من الصراعات والأجواء الكابوسية القاسية.

مشاركة :