طهران - وكالات - قبل أربعة أيام من موعدها، اتضحت ملامح معركة الانتخابات الرئاسية في إيران، مع انحصار المنافسة عملياً بين الرئيس الحالي حسن روحاني الساعي للفوز بولاية ثانية بدعم من الإصلاحيين والمعتدلين، وبين رجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي المدعوم من المحافظين و«الحرس الثوري» والدائرة القريبة من المرشد الأعلى علي خامنئي.وفي هذا السياق، انسحب رئيس بلدية طهران المحافظ محمد باقر قاليباف، أمس، من السباق للانتخابات المقررة الجمعة المقبل، ودعا إلى التصويت لصالح رئيسي.وقال في بيان، نشرته وسائل الاعلام الايرانية، «المهم في هذه المرحلة هو الحفاظ على مصالح الشعب والبلاد والثورة»، وكذلك «على وحدة القوى الثورية».وأضاف «أطلب من كل المناصرين لي دعم أخي حجة الاسلام ابراهيم رئيسي»، و«آمل أن يشكل هذا القرار بداية تغير اقتصادي لمصلحة المحرومين».ومع انسحاب قاليباف يبقى في السباق مرشحان محافظان في مواجهة روحاني هما إبراهيم رئيسي، ومصطفى مير سليم وهو غير معروف كثيراً لدى الايرانيين.وفي المقلب الآخر، من المرتقب أن يعلن اسحاق جهانغيري المرشح الاصلاحي والنائب الأول للرئيس، انسحابه أيضاً من السباق، وأن يدعو للتصويت للرئيس المنتهية ولايته.وسبق ان دعا مرشح إصلاحي آخر غير معروف كثيراً على الساحة السياسية هو مصطفى هاشمي طبا، الناخبين إلى التصويت لصالح روحاني.ومع خروج قاليباف وانعدام حظوظ مصطفى مير سليم، يصبح رئيسي مرشح المحافظين الأوحد، في مواجهة روحاني الذي يحظى بدعم المرشحَيْن الإصلاحيَيْن الآخرين نائبه جهانغيري ومصطفى هاشمي طبا، حتى وإن لم ينسحبا من السباق.في سياق متصل، تتسع دائرة دعم المعتدلين لروحاني، حيث أعلن الزعيم الإصلاحي البارز مهدي كروبي، الذي يخضع للإقامة الجبرية منذ العام 2011، أمس، تأييده الرئيس الحالي، بعد ساعات من إعلان الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي عن موقف مماثل أول من أمس.ونقل موقع «سحام نيوز»، وهو الموقع الرسمي لحركة كروبي السياسية، عنه قوله إن «الانتخابات تمثل مواجهة حقيقية بين جمهورية إسلامية حقيقية وأخرى شكلية»، مطالباً جميع الإيرانيين بالمشاركة في الانتخابات وحمايةالعملية الديمقراطية باختيار مرشحهم المفضل، لكنه قال «صوتي لروحاني».ويدعو الرئيس الحالي إلى تفويض شعبي واسع ليتمكن من الوفاء وعوده وتنفيذ برنامجه، لا سيما أنه فاز في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية العام 2013 على نحو 51 في المئة من الأصوات.ورغم أن حسمه المعركة آنذاك من الجولة الأولى بحصوله على أكثر من نصف الأصوات كان مفاجأة، إلا أن عدم فوزه بتأييد أكثر من 51 في المئة من الإيرانيين، شكل عائقاً، برأيه، أمام تنفيذ برنامجه.وفي هذا السياق، قال روحاني، في كلمة ألقاها بمدينة تبريز، أمس، إن «بعض الأمور لا يمكن حلها إذا كانت الحكومة تحظى بنسبة 51 في المئة فقط من الأصوات».وأشار خصوصاً إلى عدم قدرته على رفع الإقامة الجبرية المفروضة على كروبي والزعيم الإصلاحي الآخر مير حسين موسوي، قائلاً «هناك أمور لم تتمكن حكومتي الشرعية من حلها».ومع تصاعد دعم المحافظين لمنافسه رئيسي، وضع روحاني نفسه في موقف صعب بمواجهة المرشد الأعلى، عبر تحديه إرادة الأخير، بإعلان التزامه باتفاقية أهداف التنمية المستدامة للعام 2030 التي طرحتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو».وقال خلال كلمة ألقاها في ملتقى شبابي بطهران، مساء أول من امس، إن «اتفاقية اليونيسكو سيتم العمل بها في إطار القوانين الإيرانية»، مشيراً إلى وجود أطراف تفسر للشعب الموضوع بطريقة خاطئة وجاهلة.وأضاف «أضمن من هنا للمرشد والشعب الإيراني، أن الحكومة ستلتزم بالاتفاقية في إطار القوانين الإيرانية»، مشدداً على ضرورة أن تعمل جميع الأطراف لتطوير البلاد لا لخداع الشعب الإيراني.وكان خامنئي انتقد الأسبوع الماضي حكومة روحاني بسبب توقيعها ودعمها اتفاقية أهداف التنمية المستدامة للعام 2030 التي طرحتها «اليونيسكو»، قائلاً «لن نلتزم باتفاقيات المؤسسات الخاضعة لتأثير القوى الامبريالية».ورغم أنه مرشح للانتخابات، أعلن مصطفى هاشمي طبا، أمس، أنه سيصوت لصالح روحاني، من أجل «أن لا نعود بأوضاع البلاد إلى فترة الحكومتين التاسعة والعاشرة، وكذلك لاستمرار حركة البناء في الحكومة الحادية عشرة».يشار إلى أن هامشي طبا شغل منصب الوزير الأسبق للصناعة وكان رئيساً سابقاً للجنة الوطنية الأولمبية، ومساعداً للرئيس الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني.من جهته، وعد إسحاق جيهانغيري النائب الأول للرئيس، المواطنين السنة في بلاده بـ«الدفاع عن حقوقهم»، وذلك خلال كلمة له أول من أمس، في مؤتمر «أهل السنة في طهران» الذي نظمته جماعة «الدعوة والإصلاح» والنواب السنة في البرلمان.وأكد أنّ «إيران عبارة عن خليط عرقي وديني، يعيش فيها الشيعة والسنة والأتراك والأكراد، وأنّ الدولة ليست حكراً على طائفة واحدة فقط»، مشيراً إلى أنه «مقارنة بالماضي فإنّ أهل السنة يتمتعون ببعض الميزات حالياً، فقد فتحنا باب الدبلوماسية لهم، وعيّنا سفيراً للبلاد من السنة، ويجب أن يتواجد السنة في كافة مناصب الدولة».في المقابل، أعلن نحو ألف أستاذ جامعي في إيران عن تأييدهم للمرشح رئيسي، واعتبروه أفضل شخص لتغيير إدارة وعلاقات البلاد لمصلحة الشعب.أمنياً، أعلنت مجموعة أهوازية مسلحة، أمس، مسؤوليتها عن هجوم، فجر أمس، ضد أحد المراكز الأمنية في مدينة الأهواز، أسفر عن مقتل ضابطين إيرانيين وإصابة جندي بجروح خطيرة، حسب ما نقلت جريدة «ايلاف» الالكترونية عن مسؤول في «حركة النضال العربي لتحرير الأهواز».كيف يُصنع القرار بدولة «ولاية الفقيه»؟«سي ان ان» -بقدر ما رأى الخبراء أن اتجاهات التصويت الإيرانية في الانتخابات الأخيرة شكلت ضربة مباشرة لخيارات المرشد علي خامنئي والتيار المتشدد في البلاد لصالح الإصلاحيين والمعتدلين بقيادة الرئيس حسن روحاني وشخصيات متحالفة معه مثل هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، إلا أن تعقيدات سياسية ودستورية قد تساعد خامنئي على تجاوز النتائج لمواصلة تكريس سيطرته على مسار الأحداث.والسبب الأساسي لذلك يتمثل في التركيبة المعقدة للمؤسسات السياسية الإيرانية التي لا مثيل لها بالعالم وتساعد على توزيع الصلاحيات. فما هي تلك المؤسسات وكيف تتشكل؟المرشد: يشكل السلطة الأعلى بالبلاد وبيده كل الصلاحيات الكبرى استناداً لنظرية «ولاية الفقيه»، ويتولى تحديد السياسات العامة وقيادة القوى المسلحة، وكذلك عزل الرئيس وتعيين كبار المسؤولين والموظفين، غير أن الصلاحيات الدينية التي يمثلها تعطيه نفوذاً أكبر على مسار الأحداث.الرئيس: هو صاحب أعلى منصب رسمي بعد المرشد، ويرأس مجلس الأمن القومي ويشرف على تطبيق الدستور ويقود السلطة التنفيذية بظل عدم وجود منصب رئيس وزراء. وتتولى الحكومة الإيرانية الكثير من المهام والسلطات المتعلقة بالأمن القومي والسياسات الدفاعية والأمنية.مجلس الشورى: يمارس التشريع والرقابة ويلعب دوراً مهماً في السياسات الخارجية ويتولى التصديق على المعاهدات الدولية، ويمنح الحكومة الثقة أو يسحبها منها.مجلس صيانة الدستور: يراقب توافق قرارات مجلس الشورى مع الأحكام الإسلامية والدستورية ويتولى تفسير الدستور والإشراف على انتخابات مجلس خبراء القيادة ورئاسة الجمهورية والشورى.مجمع تشخيص مصلحة النظام: يتولى فض النزاعات بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى إذا رفض الأول توصيات الثاني ويقدم المشورة للمرشد.مجلس الخبراء: أحد أهم المؤسسات بالبلاد، يُنتخب من الشعب ويتولى تحديد صلاحية المرشد ومراقبة عمله وترشيح مرشد جديد بحال شغور المنصب، وله حق عزل المرشد بحال انحرافه عن الدستور أو افتقاده لشروط القيادة.الحرس الثوري: يعد أهم مؤسسة عسكرية وأمنية واقتصادية أيضاً في البلاد، ويتولى حماية النظام من التهديدات الداخلية والخارجية ويخضع لقرارات المرشد وتعمل تحت إشرافه فرق «الباسيج» شبه العسكرية المنتشرة بكل قرى ومدن البلاد، وللتيارات المتشددة والمحافظة نفوذ واسع فيه.
مشاركة :