< الأبحاث العلمية في جميع التخصصات هي أساس التنمية الراسخ في أي دولة في العالم، فالجهد والوقت يبذل في هذه الأبحاث العلمية ولكن قليل هي الدول وخصوصاً في عالمنا العربي تتم الاستفادة منها، فهناك الآلاف من شهادات الماجستير والدكتوراه والأبحاث تقر في جامعاتنا ومن بعض الطلبة السعوديين الذين يتخرجون في جامعات خارج الوطن كل عام ولا نعرف مصيرها ومدى وجدية الاستفادة منها، ونادراً ما نسمع عن أن جهة حكومية أو شركة في القطاع الخاص استفادت من تلك الأبحاث. لا أعرف أين يوجد الخلل، ولكنه للأسف توجه غير طبيعي، ففي الدول المتقدمة تقوم الشركات بشراء براءات الاختراع لبعض الأبحاث العلمية وتتبناها وتخاطر في ذلك، إذ إنها تجني الأرباح في حال نجاح تلك التجارب، والغريب أننا نشاهد بعض خريجي برامج الابتعاث يحققون تميزاً في تخصصاتهم وتستقطبهم الدول والشركات ومراكز البحث العلمي في الغرب والشرق، والبعض منهم قدم اختراعات خدمت البشرية جمعاء وهذا لا خلاف عليه، ولكن ألم يكن الأولى أن يكونوا في جامعات ومراكز بحث وطنية، ونحن فقط نكتفي بالاحتفال بهم في إعلامنا بتحقيقهم إنجازات علمية وإنسانية في تلك الدول؟ لا شك في أن هناك خللاً كبيراً في التعاطي مع هذه الدراسات العلمية لدينا، أما تبنيها لدينا فهذا يبدو حلماً بعيد المنال لأسباب متعددة، منها بيروقراطية ومحسوبية وفساد تقتل الإبداع، وبيئة طاردة له في مجتمعاتنا العربية، إذ يكون التعاطي مع هذه القضية من الأسباب الرئيسة لتخلف مجتمعاتنا العربية. والمؤسف أن بعض الجهات الحكومية لدينا تدفع الملايين لدراسات تقدمها شركات ومكاتب أجنبية لمعالجة قضايا محلية خالصة مثل قضايا الإسكان والبطالة، ويتضح في ما بعد أن تلك الدراسات مصيرها الفشل والنسيان بسبب أنها لم تأخذ بالاعتبار بعض الظروف المحلية لمشكلة الدراسة، في المقابل نجد أن في بعض أرفف جامعتنا دراسات تتعاطى مع مشكلاتنا ولا يلتفت لها أحد ويكسوها الغبار وتظل حبيسة تلك الأرفف حتى يطويها النسيان. القضية الأخرى هي أين هي أبحاث أعضاء هيئة التدريس في جامعتنا ونتائج سنوات التفرغ التي يحصلون عليها؟ لا أحبذ التعميم، ولكن يبدو أننا أشغلنا هؤلاء الأساتذة بتحديد عدد من الأبحاث التي عليهم أن ينجزوها لأجل أن يحصلوا على الترقية العلمية في جامعاتنا، وهنا تصبح القضية تهتم بالكم وليس بالنوعية لتلك الأبحاث. لا أعتقد أنه يكفي تسجيل رسائل الماجستير والدكتوراه في مكتبة الملك فهد الوطنية ليستفيد منها البعض من الباحثين، لماذا لا يكون لدينا مركز وطني للأبحاث تودع فيها نسخ من هذه الدراسات، وأن يكون فيه متخصصون من الباحثين يشرفون عليه ويقررون ما هي الأبحاث التي تمكن الاستفادة منها في مسيرة التنمية الوطنية لدينا، ويكون هذا المركز له صلاحيات، وأن يكون مرجعاً للجهات الحكومية في حال احتاجت إلى استشارات أو دراسات في مجال عملها، وأن تمنع تلك الجهات من التعاقد مع شركات استشارية أجنبية إلا في حال أن هذا المركز يقدم دليلاً على أنه لا يوجد دراسات علمية تعالج موضوع القضية. لا نريد لجامعاتنا وهي المعنية بالأبحاث أن تكون معزولة عن المجتمع، وأن تقدم إسهاماتها الفاعلة في التنمية، وأن تركز على الأبحاث في القضايا التي تخدم المجتمع، وأن تبتعد عن إقرار المئات من الأبحاث التي ليس لها علاقة بالحاضر، بل هي موغلة في قضايا تخطاها الزمن، وأن تهتم بعملية تسويق تلك الأبحاث لدى الجهات الحكومية وفي القطاع الخاص. جامعة الملك سعود وفي تقريرها لعام 1424-1425هـ ذكر أنه بلغ عدد الرسائل العلمية في مكتبات الجامعة 10.540، منها 6.351 رسالة ماجستير و4.189 رسالة دكتوراه، والأكيد أن الرقم في تصاعد، ولك أن تتخيل أعداد هذه الرسائل في جامعات المملكة مجتمعة، هذا يعطي دليلاً صارخاً على حجم المشكلة وأهمية معالجتها. akalalakal@
مشاركة :