يقضي الطلاب في الجامعات من حملة الماجستير والدكتوراه الكثير من الوقت والجهد في إعداد البحوث العلمية التي يعكفون على جمعها وإعدادها بطريقة تقنع اللجنة الأكاديمية التي بدورها تمحّص وتدقق ثم تدفع بتلك الرسائل إلى جهات أكاديمية وإدارية آخرى لإبداء ملاحظاتها أيضاً، إلا أن تلك التوصيات وذلك الإعداد المكثف والجهد الكبير ينتهي -للأسف- على رف مكتبات الجامعات، فهل يعني ذلك بأن مصير الرسائل العلمية تلك خاصة الجيدة منها لا يمكن أن يتغير؟ يبدو بأننا بحاجة إلى إعادة النظر في مصير تلك الرسائل العلمية والبحوث والدراسات ليس فقط من منطلق تفعيلها والاستفادة منها، بل بإيجاد منظومة رسمية تتولاها بشكل جديد وتقوم بالاطلاع عليها وإدخالها في خطة تسويق لجهات حكومية أو خاصة من أجل الاستفادة من نتائجها بطرق مبتكرة، وعلى تلك المؤسسة العلمية المشغلة لتلك البحوث والرسائل العلمية والموجه الاستفادة منها بالتنسيق مع جهات تهتم بالموضوعات التي تتناولها تلك البحوث، وذلك لحمايتها من تركها على رفوف الجامعات يلتهمها الغبار ويقضي عليها التهميش، فلماذا لا يتم ابتكار حلول وطرق جديدة تشجع على الاستفادة من تلك الرسائل وتضعها موضع التطبيق الواقعي. نحتاج جهات تسوق البحوث العلمية وتدعم تطبيقها على أرض الواقع وتردم الفجوة بين الجامعات والقطاعين العام والخاص بحوث موجّهة يرى د. سعد الحريقي -مدير جامعة الباحة سابقاً وعضو مجلس الشورى- بأن الأبحاث العلمية سواء تلك التي تعمل بتكليف من بعض الجهات التي تطلب معلومات بحثية معينة في موضوع محدد سواء في القطاع الخاص أو من القطاع الحكومي من أجل الوصول إلى نتائج معينة فهذه الأبحاث إذا كانت موجهة غالباً تذهب إلى الجهة التي طلبتها وتتوج نتائج هذه الأبحاث بحيث تعمل تلك الجهات على الاستفادة منها وغالباً فإن البحث العلمي يهدف إلى إيضاح جوانب معينة بعد اخضاعه لمعايير علمية بحثية وللمؤسسات الاستفادة منها بطرق مختلفة، مبيناً بأن الأبحاث العلمية المتعلقة بالجامعات غالباً ما تودع في المكتبات، وهي متاحة للاستفادة منها فأي باحث مهتم الممكن أن يحصل على معلومة معينة أو دراسة، كما أن هناك جهات أخرى تشجع وتمول وتهتم بالبحث العلمي بخلاف الجامعات كمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وهذه المدينة تُعنى بإجراء دراسات والبحوث العلمية التي تمولها وترى أنها بحاجة إلى ذلك البحث وتستعين بشكل كبير بعدد من الباحثين في الجامعات ويوجد بها عدد كبير جداً من الباحثين والمؤهلين والذين يمكن أن يدعموا هذه الأبحاث بخبراتهم ومعرفتهم. وأضاف: الأبحاث التي تجرى في الداخل والخارج وتناقش قضايا معينة والكثير من الجهات تطلب أبحاثا معينة سمعت عنها للاستفادة منها، وفيما يتعلق بالأمانة العلمية وما يحدث من بعض الباحثين من سرقة بعض المعلومات ونسبها إلى بحثهم فيجب أن تكون الأمانة موجودة، فجميع مؤسسات المملكة العلمية هي مؤسسات تحتوي على خبرة عالية ويوجد بها هيئات تدريس بمستوى علمي عالٍ ويعملون على فحص الإنتاج العلمي والتأكد من أن هذا الإنتاج العلمي غير مسروق فهناك عقوبات كبيرة جداً لمن يثبت تورطه في سرقة البحث العلمي وهذا موجود ولكنها ليست ظاهرة ومنتشرة فهناك حالات تكتشف وهي قليلة لأن هناك طرق يتم فيها التحقق من رصانة البحث وبأنه غير مسروق تعمل عليها جميع الجامعات، والأبحاث العلمية سواء كانت رسائل ماجستير أو دكتوراه تمر على عدة جهات تبدأ من الإقرار بالرسالة العلمية من الطرف المعني ثم يقرها مجلس الكلية وبعد أن يتم الموافقة عليها يبدأ الباحث بالدراسة ويكون هناك متابعة من قبل المشرف الأكاديمي على الرسالة وتعرض قبل المناقشة على أعضاء هيئة التدريس من الخارج للتأكد من صلاحية هذه الرسالة للمناقشة ومدى صلاحية المعلومات الموجودة في هذه الرسالة وبأنه لم يقم بسرقة علمية فهناك العديد من الاحترازات التي تضمن بأن لا يخرج بحث من مؤسسة علمية إلا بعد أن يتم التأكد من أن هذا البحث يرقى لأن يحمل اسم الجامعة. فجوة كبيرة يرى د. محمد القحطاني -أستاذ علم النفس- بأنه يوجد العديد من الرسائل العلمية والبحوث التي تنتجها الجامعات والمراكز البحثية على مستوى المملكة وبشكل مستمر وبشكل متطور ولكن للأسف لا يستفاد من هذه الرسائل العلمية سواء كانت ماجستير أو دكتوراه أو رسائل علمية متقدمة، فهي لا تتعدى إلا أن توضع على رف المكتبة فقط وفي الغالب وبنسبة كبيرة لا أحد يعود إلى هذه الرسالة العلمية فنجد عليها الغبار وتهمل على الرغم من أن هذه البحوث العلمية من رسائل الماجستير والدكتوراه والأبحاث المتقدمة تأخذ وقتا طويلا جداً في إعدادها، فتمر على مجلس قسم ومجلس كلية ومجلس جامعة والعديد من الأساتذة الذين يراجعون مثل هذه الدراسات العلمية وتُشكل لجانا ومناقشين من داخل الجامعة وخارجها ويتعب الطالب عليها ويبذل فيها مجهودا كبيرا وكذلك المشرف على تلك الرسالة وفي النهاية توضع على الرف ولذلك هي دكتوراه الرفوف. وأشار إلى أهم الأسباب التي تدفع إلى عدم الاهتمام ببعض هذه البحوث تتمثل في الفجوة الكبيرة بين الرسائل العلمية والقطاع الحكومي والخاص فهناك من يعمل أبحاثا في الجامعات وفي الغالب هذا البحث لم يرتبط بجهة حكومية أو مع قطاع خاص بحيث إنهم يلبون احتياج القطاع الحكومي والخاص في هذا البحث، فغالباً يتم تحديد عنوان البحث ويعمل الرسالة فتوجد هناك فجوة، كذلك بعض البحوث تركز على الجانب النظري أكثر من الجانب التطبيقي وهذا الذي لا يمكن الاستفادة من هذه البحوث بشكل كبير، كذلك بعض البحوث والرسائل العلمية ورسائل الماجستير والدكتوراه تكون تكراراً لما قبلها فهذا ينقل من هذا فلا يوجد فيها ابتكار ولا يوجد أصالة ولا إبداع، كما لا يوجد جهات حكومية أو خاصة تستفيد من هذه الرسائل العلمية وتطبقها فالجامعات تعمل ولكن لا يوجد جهة تفعل نتائج الرسائل العلمية على أرض الواقع، أيضا عدم توفر الدعم المالي اللازم لتطبيق هذه الدراسات على أرض الواقع فتوضع على الرف، ففي نهاية كل رسائل علمية في الغالب يُكتب توصيات يرى فيها الباحث ماذا يجب على المجتمع أن يعمل حيال هذا الموضوع ولكن للأسف بعض الجهات الحكومية والخاصة لا تستفيد من هذه التوصيات ولا تطبقها، كما لا يوجد ثقافة القراءة لدينا وهذا ما دفع إلى بقاء الرسائل العلمية على الرف، فبعض الذين يحصلون على درجة الماجستير لا يقرأ ولا يعود إلى الأبحاث. ودعا د. القحطاني إلى ضرورة أن يكون هناك مؤسسات علمية متخصصة تدعم تطبيق وتسويق هذه البحوث العلمية بشكل جيد وتطبقها على أرض الواقع وتتابع وذلك من خلال التنسيق مع جهات المجتمع سواء من قبل الجامعة من جهة والخدمة المدنية ووزارة العمل والقطاع الخاص وغيرها من الجهات المستفيدة من جهة أخرى بناء على موضوع البحث أو الرسالة لأن يوجد كنز من المعلومات يوضع على الرف فقط ولا يستفاد منه. موثوقية البحوث وأوضح د. صالح العقيل -باحث اجتماعي- بأن الرسائل العلمية متى ما وصلت إلى مستوى الثقة في النتائج والتوصيات والتطبيق جاز لنا ضرورة استثمارها واختصار الجهود التي تبذل من أجل إعداد الدراسات فالمشكلة أن الذي خارج المجتمع الأكاديمي يظن بأن هذه الدراسات التي يقوم بها طلاب الماجستير والدكتوراه يمكن الاستفادة منها في مجال التخطيط ومجال التذكير تجاه المجتمع خاصة الدراسات التي تتناول قضايا المجتمع المختلفة، وهو في حقيقة الأمر قد لا نجزم بهذه الفائدة لسبب بسيط وهو أن الأكاديميين حينما يشرفون على طلاب الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه يضعون الهدف الأول تدريب الطالب على ممارسة البحث العلمي من خلال أطروحات الماجستير والدكتوراه وهذا الهدف الأول الذي يجعل الأكاديميين لا يجزمون بالفائدة التي يمكن أن تحققها رسائل الماجستير أو الدكتوراه للمجتمع في مجال التخطيط، لأن المشرف يضع الهدف الأول بأن هذا الطالب يطبق خطوات البحث العلمي باحتراف ويدرب على اختيار عنوان الدراسة وتدريبه على صياغة أهداف الدراسة وعنوانيه وفرضياته وحقل المفاهيم وكيف يعبر عن المفاهيم كما يريد ويتم تدريبه على تصميم الاستبيان وبالتالي الحصول على بيانات وتطبيق الأساليب الإحصائية عليها والخروج بنتائج وتوصيات. وأشار إلى صعوبة الجزم بنتائج تلك البحوث إلا أنه يمكن الاستفادة منها بشكل نسبي ولكن لا يمكن إنشاء مؤسسة لاحتواء هذه الدراسات والاستفادة منها في المجتمع، فيمكن احتواء مثل هذه الدراسات للاستفادة منها في مجال البحث العلمي يستفيد منها الطلاب الذين يأتون بعدهم، ولكن أن يستفاد من هذه الأطروحات لبناء مجتمع أو لتوجيه مجتمع أو لتغير رأي أو فكر معين فذلك يحمل شيئا من المبالغة، موضحاً بأن هذا قد لا يندرج على جميع التخصصات فتختلف الأطروحات العلمية من تخصص إلى آخر فهناك تخصصات لا تفيد كثيراً إلا في إطار الطلاب الذين يأتون بعدهم كإرث علمي لهم، إلا أن نظام الجامعات خاصة نظام جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فنظامها جدا ممتاز في الحصول على وثيقة الماجستير والدكتوراه فأي طالب يجب أن يذهب إلى مكتبة الملك عبدالعزيز ومكتبة الملك فهد ليسلم لهم نسخة من البحث فتصبح هذه الرسائل موجودة في تلك المكتبات، ولكن إذا أردنا التفكير بإنشاء مؤسسة للتخطيط لبناء المجتمع ومساندة الوزارات للتخطيط في مجال بناء مشروعات مستقبلية وفي الخطط المستقبلية للأجيال المتلاحقة فإننا نحتاج إلى وقت لاسيما أن الكثير من الطلاب لا يزالون يعانون في قضية الإشراف الأكاديمي لأن المشرفين مثقلين بمسؤوليات إدارية. د. سعد الحريقي د. محمد القحطاني د. صالح العقيل كثير من الأبحاث العلمية لا يستفيد منها الطالب المجتمع بحاجة لربط الرسائل العلمية والأبحاث بالواقع وتطوير أساليب تسويقها
مشاركة :