حِكَمة الزكاة 1-2

  • 8/3/2013
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

--> الزكاة في لغة العرب تعني الطُّهر وتعني كذلك النَّماء، ومن عظيم حكمة الله أن جعل في الزكاة معنى التطهير الحقيقي للمال، وجعل فيها كذلك معنى النَّماء له، أما كونها طهرا للمال فظاهرٌ جليٌّ، ذلك أنَّ الثروة التي يجنيها أصحاب رأس المال مصدرها المجتمع، فثروةُ الغنيِّ حصل عليها من عامة الناس الذين يتعامل معهم بيعاً وشراء، فهم أصحاب الفضل عليه، لأنهم سبب حصوله على الثروة، ولذلك فإنه يتوسَّل إليهم بجميع الوسائل ليجعلوا من متجره سوقا لهم، فكان لزاما على الأغنياء أن يُطهِّروا أموالِهم، بردِّ شيء من الجميل للناس، ويتأكَّد هذا المعنى إذا عَلِمنا أنَّ المعاملات المالية لا تَسْلَم مِن وجود إلا الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل، وكلُّهم في معنى الفقير، وهؤلاء لا يُتوَقَّع منهم أنْ يكنزوا ما يصلهم من مالٍ في جيوبهم، بل إنهم -لِشدَّة حاجتهم- يُسرعون بما يصلهم من مال الزكاة إلى السوق لسدِّ عَوَزِهم، وإنما يكنز المال مَن لم تَدْفعه الحاجةُ إلى صرف المال في السوق، ويُتَصَوُّر هذا الأمر إذا تساهل الناس في البحث عن الفقير ودفعوا الزكاة لمن لا يُدرَى أفقير هو أو غني غررٍ يسيرٍ، والعرب تُسمِّي الذي يشتري مِن التاجر الزَّبون لأنه مَظِنَّةَ أنْ يُغْبَن ويُغلَب مِن التاجر، فالزَّبْنُ تعني المدافعة والمغالبة، وهذا هو الشأن في جميع أنواع العقود التجارية، فمَبْناها على المغالبة، كما قال الفقهاء، فكلٌّ من البائع والمشتري يريد أن يَغلِب لا أن يُغلَب، فالسلامةُ من وجود غرر يسير أمرٌ متعذِّر، ولو اشترطنا لصحَّة العقود وجودَ العدل المطلق لشقَّ ذلك على الناس، ولوقعوا في حرجٍ وضيق، فرفعاً لهذا الحرج اكتفَت الشريعة لصحَّة المعاملات بالأمر بتقدير الأشياء بمعاييرها، فتُقدَّر بالوزن فيما يوزن وبالكيل فيما يُكال وبالذَّرْع فيما يُذْرع كالقماش، وبالعدِّ فيما يُعدُّ كالبيض، كلُّ ذلك من أجل التقليل من نسبة الغرر، وتغاضَتْ عن وجود غررٍ يسيرٍ يَعسُر الاحتراز منه، فالغرر حاصلٌ لا محالة، زيادةً أو نقصاً، فغاية ما تطلبه الشريعةُ مِنَّا، ألا نُنْقِص ونُطفِّف، كما قال نبيُّ الله شعيبٌ عليه السلام: (وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ) والأكمل أن نُوفِّي كما أمرنا الله تعالى: (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) فعبَّر بالإيفاء لِتلْتَفِتَ النفوسُ إلى جهة التَّوفية، لا إلى جهة عدم النقصان، فإن وقع غررٌ فالزكاة مَطْهرةٌ وكفَّارةٌ لهذا الغرر، وأما كون الزكاة تنميةً للمال، فلأنَّ الزكاة لا تُنقص من مال الغنيِّ ليسارة قدْرها:2.5% من مالِه الذي يتاجر فيه، وليس مِن مالِه الذي يَنتفع به كبيته ومزرعته، بخلاف الفقير الذي ينتفع بها نفعاً كبيراً، لشدَّة حاجته، فالزكاة تُدفع لأشدُّ مواضع الحاجة في المجتمع، ذكرهم الله في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ) والملاحظ أنَّ الزكاة محصورةٌ غالباً في الفقراء، فالعبودية انتهت، والمؤلفة قلوبهم ليس لهم وجودٌ يُذكر، وكذلك العاملون عليها، والجهاد ليس أمراً دائماً، فلم يبق إلا الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل، وكلُّهم في معنى الفقير، وهؤلاء لا يُتوَقَّع منهم أنْ يكنزوا ما يصلهم من مالٍ في جيوبهم، بل إنهم -لِشدَّة حاجتهم- يُسرعون بما يصلهم من مال الزكاة إلى السوق لسدِّ عَوَزِهم، وإنما يكنز المال مَن لم تَدْفعه الحاجةُ إلى صرف المال في السوق، ويُتَصَوُّر هذا الأمر إذا تساهل الناس في البحث عن الفقير ودفعوا الزكاة لمن لا يُدرَى أفقير هو أو غني، فإنَّ مالَ الزكاة إنْ أَخَذَهُ غيرُ المحتاج فلن يذهب به إلى السوق بل سيضعه في حسابه بالبنك، فلن تنتفع به عجلة الاقتصاد، وهذا عينُ الكنز للمال، فمن بديع حكمة الزكاة، أنَّ المزكِّي إذا الْتَزَمَ شروطَها، فدفعها لمستحقِّيها، فلن تُستَهلك في سلعٍ ترفيهية، ولن تضيع في السِّلَع غاليةِ الأثمان، فالمحتاج يعلم أن القدر اليسير من مال الزكاة لن ينتفع منه إنْ صرفه في المتاجر الغالية والمطاعم الفاخرة، أما إنْ صرفه في احتياجاته الأساسية، من مأكل ومشرب وملبس، فسيحصل على كثير من احتياجاته بهذا المال اليسير، وسيفضي ذلك إلى تنشيط حركة الإنتاج للسلعَ الضرورية، ولك أيها القاريء الكريم أن تتصوَّر أنَّ مدينة من المدن لو أنَّ زكاة أغنيائها اثنا عشر مليون ريال، أي مليون ريال شهريا، فإن هذا يعني أنك تقذف مليون ريال في السوق يومياً، وتُحرِّك عجلةَ أهمِّ موضع في السوق، وهو سوق السِّلع الضرورية، وسيُفضي ذلك أيضاً إلى توفير عملٍ لكثير من العمَّال الفقراء، فاعجب لعظيم أثر الزكاة رغم يسارَةِ قَدْرها، وهكذا كانت الزكاة في الشرع طهرٌ للمال ونَماءٌ له، كما قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا). مقالات سابقة: قيس المبارك : -->

مشاركة :