بعد أيام من انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في نوفمبر 2016، قررت وزيرة الدفاع اليابانية السابقة وخريجة كلية الآداب جامعة القاهرة وحاكمة مدينة طوكيو حالياً يوريكو كويكي، إطلاق مبادرة لجعل طوكيو المركز المالي الأهم في العالم. مستفيدة من الاضطرابات السياسية في هونغ كونغ والتغيرات المحتملة لنيويورك في عهد ترامب والتأثير السلبي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على وضع لندن كأهم مركز مالي في العالم. حسب مؤشر المراكز المالية في العالم GFCI، تحتل طوكيو وقت إطلاق المبادرة المركز الخامس عالمياً بعد كل من لندن ونيويورك وسنغافورة وهونغ كونغ، حيث تشتكي كويكي من أن القوانين والأنظمة الضريبية في طوكيو بعيدة عن أفضل الممارسات العالمية. ولهذا تتجه كبرى المؤسسات المالية العالمية إلى سنغافورة وهونغ كونغ وشنغهاي لسهولة أداء أعمالهم هناك. حيث إن ضريبة الأعمال في طوكيو هي %30 مقارنة بـ %20 في لندن و%17 في كل من هونغ كونغ وسنغافورة. استحداث الضرائب أو رفعها لا يتماشى مع السعي نحو المركز المالي: تدخل ضريبة الأعمال بالدرجة الأولى وضريبة القيمة المضافة والضرائب الأخرى ضمن المؤثرات السلبية على وضع أي مركز مالي. بينما أطلق سمو الأمير في أكتوبر 2004 مبادرة تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، نجد أن وثيقة الإصلاح أو الإصلاحات المالية المرتقبة تعتمد على فرض الضرائب أو استحداثها بشكل قد لا يتماشى مع مبادرة سمو الأمير حول ضرورة تحويل الكويت إلى مركز مالي. لو أمعنا النظر في الدعم الحكومي المختلف لوجدناه يمثل ضريبة سلبية لا يتماشى وجودها مع فرض ضريبة فعلية على المستفيدين من الدعم. فتصبح الأولوية الأساسية هي تقليل الدعم أو إلغاؤه قبل الخوض في فرض الضرائب. لكن مع ذلك، وبسبب ضعف أجهزة الضريبة الحكومية ووجود حاجة ملحة للتفاوض الضريبي بعد إقرار قانون فاتكا، اقترح صندوق النقد فرض ضريبة رمزية على الأعمال هدفها الأساسي بناء قدرة وزارة المالية على التفاوض الضريبي مع الولايات المتحدة وبقية دول العالم. إذ لا يمكن قبول فرض الولايات المتحدة الضرائب على أموال مواطنيها المكونة في الكويت دون حصول الكويت على جزء منها. إذا كانت هناك جدية حكومية في تحقيق مبادرة سمو الأمير، يمكن فصل سياسة الضرائب المستقبلية عن وضع الكويت كمركز مالي عن طريق خلق مناطق أعمال محددة تتبع أنظمة وقوانين خاصة تتماشى مع أفضل الممارسات العالمية مثل القوانين الانكليزية في مركز دبي المالي، (يتم التقاضي بالنكليزية في مركز دبي المالي مع وجود قضاة أجانب لهم خبرة قانونية في المراكز المالية العالمية). مصائب قوم المراكز المالية في المنطقة تمثل تطبيقاً عملياً لمصائب قوم عند قوم فوائد: كما هو حال حاكمة طوكيو في توجهها لاستغلال مشاكل المراكز المالية الأخرى، لا يختلف الوضع في المنطقة عن ذلك، فقد نجحت البحرين في انتزاع موقع بيروت كمركز مصرفي للعرب، بعد الحرب الأهلية الطاحنة في لبنان، بعدها نجحت إمارة دبي ومن بعدها قطر في تحدي الهيمنة الإقليمية للمنامة، فقدمت كلتاهما مناخات تشريعية جديدة بهدف التحول إلى مراكز مالية عالمية في منطقة الشرق الأوسط، فقد أعلنت دبي في عام 2002 عن تدشين مقاطعتها المالية وافتتحت أبوابها في 2004، واستطاع مركز دبي المالي أن يضع الإمارات على موقع متميز من خريطة الاستثمار العالمية، ثم أسست حكومة قطر مركز قطر للمال في 2005 ليجذب المؤسسات المالية الدولية إلى سوق الخدمات المالية، واستفادت كل من دبي وقطر من المشاكل السياسية في البحرين، ويمكن تلخيص ما سبق بأن أوضاع المراكز المالية في العالم تمثل تطبيقاً عملياً للمقولة الشهيرة «مصائب قوم عند قوم فوائد». حسب آخر تقرير لمؤشر المراكز المالية في العالم GFCL 21 الصادر في مارس 2017، كان في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا 9 مراكز مالية فقط من أصل 88 مركزاً مالياً في العالم، احتلت دبي الترتيب الأول على مستوى المنطقة والترتيب الــ 25 عالمياً وتم تصنيفها كمركز مالي ريادي عالمي تليها أبوظبي بــ 28 عالمياً ثم كازابلانكا بالترتيب الــ 30 كمراكز متخصصة فتل أبيب الــ 32 ثم الدوحة 39 والبحرين 57 وجوهانسبرغ 59 وموريشيوس 71 وأخيراً الرياض 76 كمراكز مالية محلية. وهو تصنيف حسب درجة الارتباط مع المراكز المالية العالمية وتنوع القطاعات المالية كالبنوك والاستثمار والتأمين وغيرها. مجلس الأمة رفض مجلس الأمة للضرائب يرفع الحرج عن الحكومة: مؤخرًا اتفقت دول مجلس التعاون على تطبيق الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة، لكن ما يميز الكويت عن باقي الدول الخمس هو وجود مجلس أمة يمكن له أن يعارض قرارات الحكومة. فعلي الرغم من إشارة العديد بأن وجود المجلس هو من عطل التنمية بشكل أو بآخر في الكويت. فإنه في هذا الوقت وتحديدًا في موضوع ضريبة القيمة المضافة يمكن للمجلس أن يرفع الحرج عن الحكومة ويرفض تطبيق الضرائب المشتركة لتكون ميزة تنافسية للكويت كمركز مالي يختلف عن المراكز المالية الخمسة في الإمارات وقطر والبحرين والسعودية. وليكن هذا الرفض بداية الدور الحقيقي لمجلس الأمة للمساهمة في التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل محليًا في المستقبل. كذلك، يشير المراقبون إلى أن عدم الاستقرار السياسي الناعم هو طبيعة المشهد السياسي في الكويت. لذلك قد تظهر الحاجة لمعاهدات وقوانين يصادق عليها البرلمان ولا يمكن تغييرها إلا بعد سنوات طويلة. مثل إنشاء مركز مالي في الكويت لا يمكن للحكومة أو لمجلس الأمة أن يفرض فيه ضرائب معينة أو يغير مزاياه القانونية الأخرى إلا بعد 50 سنة مثلاً. مؤشر GFI وترتيب الكويت الافتراضي يعتمد مؤشر GFI في طريقة حسابه على بيانات ومؤشرات دولية من البنك الدولي ومنظمة الشفافية وغيرها. مثل مؤشر سهولة الأعمال ومؤشرات الضرائب وغير ذلك. ويعتمد كذلك على استطلاعات رأي وتقييم من قبل الخبراء في المراكز المالية المختلفة. حيث يتم تقييم المراكز المالية وفقاً لخمس مزايا تنافسية، وهي بيئة الأعمال ورأس المال البشري والبنية التحتية وتطور القطاع المالي والسمعة. ويتم تحديد ما إذا كانت المدينة تستحق أن يطلق عليها مركز مالي إذا كان هناك أكثر من 200 تقييم خلال فترة 24 شهراً. وهنا يظهر الأمل في وجود الكويت على قائمة المحتمل تسميتهم بمركز مالي، وهي قائمة تضم 19 مدينة منها طهران في المنطقة. حيث كان هناك 85 تقييماً فقط للكويت بمعدل 568 نقطة (حصلت الرياض على معدل 596 نقطة). ولو أضفنا الكويت فقط إلى قائمة المراكز المالية الـ 88 لكان ترتيبها الـ 85 بين كل من بنما وموسكو. ولو أضفنا كل القائمة المحتملة لكان ترتيب الكويت الـ 94 من 107 مراكز مالية في العالم. واللافت في التقرير ظهور كل من تل أبيب والرياض في آخر عشر مراكز مالية من حيث السمعة. وذلك من شأنه أن يرجح ظهور تقييمهم بمستوى أعلى من الواقع حسب ما ذكره التقرير. محمد رمضان كاتب وباحث اقتصادي rammohammad@
مشاركة :