قرر المتهمون في أحداث الشغب التي عرفتها مدينة العيون كبرى مدن الصحراء (جنوب المغرب) في سياق تفكيك مخيم أكديم إزيك سنة 2010، والتي قتل فيها 11 عسكريا مغربيا وجرح 70 آخرون، الانسحاب من المحاكمة التي انطلقت قبل عدة أشهر. وأعلن المتهمون قرارهم خلال جلسة مساء أول من أمس، ليعلن دفاعهم بدوره عن انسحابه من المحاكمة، فيما قررت المحكمة مواصلة مناقشة القضية والاستماع إلى الشهود وتكليف أربعة محامين بالدفاع عن المتهمين في إطار المساعدة القضائية.وكان المتهمون قد رفضوا في الجلسة السابقة المواجهة مع شهود الإثبات، الذين شرعت المحكمة في الاستماع إليهم قبل أسبوع، ولوحوا بالإضراب عن الطعام. وحاول المتهمون خلال الجلسة السابقة عرقلة الاستماع إلى الشهود من طرف المحكمة عبر الصياح ورفع شعارات سياسية، خصوصا عندما أكد بعض الشهود تعرفهم على المتهمين وأدلوا بشهادات حول الأدوار التي لعبوها خلال الأحداث وإشرافهم على عمليات قتل عناصر الأمن المغربي والتمثيل بجثتهم. وعندما أكد أحد شهود الإثبات إمكانية التعرف على بعض المتهمين، ارتفعت أصواتهم من جديد قبل أن ينسحبوا من قفص الاتهام تفاديا للتعرف عليهم من طرف الشاهد.وكانت أحداث أكديم إزيك قد بدأت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 باحتجاجات اجتماعية حول مطالب محددة متعلقة بالتشغيل والسكن والخدمات والمساعدات الاجتماعية، عبر إقامة مخيم احتجاجي خارج مدينة العيون. وبعد مفاوضات استمرت عدة أسابيع توصلت السلطات المحلية في مدينة العيون إلى اتفاق مع المحتجين حول مطالبهم. غير أن عناصر موالية لجبهة البوليساريو الداعية إلى انفصال المحافظات الصحراوية عن المغرب، دخلت على الخط واحتلت المخيم الاحتجاجي قبيل إخلائه رافعة شعارات انفصالية، ورافضة السماح لقوات الدرك الملكي والقوات المساعدة المغربية بتفكيك المخيم.في غضون ذلك، لجأ محتلو المخيم إلى العنف باستعمال السيارات الرباعية الدفع لدهس رجال الأمن واستعمال القنينات الحارقة والأسلحة البيضاء.وخلال المحاكمة قدم الشهود شهادات صادمة حول العنف الذي مورس من طرف المتهمين، من ذبح لرجال الأمن والتمثيل بجثثهم، كما عرضت خلال المحاكمة أشرطة فيديو تصور جانبا من هذه الأحداث.وفي تصريح صحافي عقب إعلان المتهمين عن انسحابهم من المحاكمة أعلن حسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط (النيابة العامة)، بأن دفاع المتهمين أعلن أيضا انسحابه من ملف القضية تبعا لقرار المتهمين بمقاطعة أطوار المحاكمة ورفضهم حضور مناقشة القضية، مبرزا أن دفاع المتهمين تقدم بالشكر إلى المحكمة على المجهودات التي وفرتها لكي تمر أطوار المحاكمة في أجواء جد ملائمة، وعلى ظروف المحاكمة العادلة التي حرصت على توفيرها.وأوضح الوكيل العام للملك أن المتهمين قاموا، خلال مواصلة غرفة الجنايات الاستئنافية بملحقة سلا الاستماع إلى الشهود برفع شعارات تنازع في صفة دفاع المطالبين بالحق المدني في القضية لما أعطيت لهم الكلمة لتوجيه أسئلة إلى الشهود، مضيفا أنه أمام تعذر الاستمرار في جلسة المحاكمة بسبب الاضطراب الذي أحدثه المتهمون بها وإخلالهم بنظامها قررت المحكمة رفع الجلسة.وأضاف الداكي أن المتهمين استمروا في رفع شعارات للحيلولة دون الاستماع إلى أحد الشهود، قبل أن يعلن أحد المتهمين أنهم اتخذوا قرارا بالانسحاب من المحاكمة ما لم يؤذن لهم بالتخابر مع دفاعهم، مضيفا أنه رغم تنظيم القانون لأحكام التخابر بين الدفاع والمتهمين الذي لا يوجد ما يجيزه داخل المحكمة، فإن هذه الأخيرة استمرت في مرونتها معهم حرصا منها على حسن سير المحاكمة، حيث استجابت لهذا الطلب، وقررت رفع الجلسة والإذن بالتخابر بين المتهمين ودفاعهم داخل القاعة.وأشار الوكيل العام للملك إلى أن تلويح المتهمين بالانسحاب من المحاكمة لوحظ بعدما استطاع بعض الشهود التعرف على بعض المتهمين خلال الجلسات السابقة، كما لوحظ بأن المتهمين كثفوا من تصرفاتهم المخلة بنظام الجلسة كلما تعرف أحد الشهود على بعضهم أو ذكرهم بأسمائهم، وهي التصرفات التي بلغت في بعض الحالات حد عرقلة استمرار انعقاد الجلسة، وحد رفض المواجهة مع الشهود في تحد صارخ لسلطة رئيس الهيئة في تسيير الجلسات.وكانت قضية أكديم إزيك قد أحيلت في وقت سابق على محكمة عسكرية، التي قضت في سنة 2013 بأحكام تتراوح بين المؤبد و20 سنة في حق المتهمين. غير أن محكمة النقض أعادت إحالة القضية على محكمة مدنية، وبذلك عرض الملف من جديد أمام أنظار غرفة الجنايات لدى محكمة الاستئناف بمدينة سلا من 26 ديسمبر (كانون الأول) 2016، وإلى حدود الآن عقدت ثماني عشرة جلسة من أطوار هذه المحاكمة في إطار أجواء مفتوحة بحضور وسائل الإعلام ومراقبين دوليين.
مشاركة :