زيارة وليّ عهد أبوظبي لواشنطن أظهرت ان هناك بين الخليجيين على وجه الخصوص وبين العرب عموما، من يدرك معنى التغيير الحاصل في واشنطن وأبعاده الاستراتيجية. الاهمّ من ذلك كلّه ان هناك إدراكا لحقيقة ان العلاقة بين أيّ طرفين، أكانت هذه العلاقة سياسية او عسكرية او اقتصادية، لا بدّ ان تكون علاقة اخذ وعطاء في الوقت ذاته. هناك إدارة أميركية لديها حساباتها الاستراتيجية. لا بدّ من اخذ هذه الحسابات في الاعتبار في حال المطلوب إقامة علاقة متوازنة بين جانبين لكلّ منهما مصالحه وأهدافه في منطقة حبلى بالأحداث والتطورات وبكلّ أنواع الازمات. اثبت محمّد بن زايد انّه يستطيع التعاطي مع المتغيّرات العالمية من دون أي نوع من العقد. كلّ ما هنالك ان المهمّ المحافظة على الامارات وحمايتها في ظلّ ظروف اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها دقيقة ومعقّدة. كانت القمّة الاميركية ـ الاماراتية مقدّمة جيدة للقمم الثلاث التي ستعقد في الرياض بعد ايّام قليلة. دلّت على ان ما سيكون موضع بحث في العاصمة السعودية ليس مجرّد أفكار عامة يغلّفها كلام جميل عن الإسلام والتعايش بين الاديان السماوية وأهمية احترام كلّ دين للدين الآخر، ثمّ يعود كلّ طرف الى بيته للانصراف الى عاداته القديمة. هناك ما هو ابعد من ذلك بكثير. هناك أفكار عملية ستكون لها ترجمة على الأرض، بما في ذلك كيفية التصدّي للإرهاب بكلّ اشكاله من دون تمييز بين إرهاب وآخر، كما كان يفعل باراك أوباما. أراد أوباما اختزال كلّ مشاكل المنطقة وأزماتها بالملفّ النووي الايراني الذي لم يعد يوجد الآن من يريد اخذه على محمل الجدّ. في النهاية التي هي أيضا بداية، يدخل دونالد ترامب المنطقة من حيث يجب ان يدخل، أي من البوابة الخليجية، من البوّابة السعودية تحديدا. ففي عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، هناك مملكة عربية سعودية جديدة تمتلك مثلها مثل الإدارة الاميركية الحالية حسابات خاصة بها. هذه المملكة الجديدة التي تؤمن بثقافة الحياة والتي يعبّر عن تطلعاتها الأمير محمّد بن سلمان وليّ وليّ العهد. لم تعد السعودية مستعدة لتقديم هدايا مجّانية لاحد، خصوصا في ضوء حاجتها الى توظيف ثروات المملكة في خدمة مشروع طويل الأمد قائم على إعادة بناء الانسان السعودي. هذا المشروع الذي عمره سنة هو "رؤية 2030". عندما توجّه شارل ديغول الى المشرق في اربعينات القرن الماضي، ولم يكن بعد رئيسا للجمهورية الفرنسية، قال ما معناه انّه ذاهب الى ذلك المشرق المعقّد بـ"افكار بسيطة". لا يحتاج دونالد ترامب والفريق المحيط به هذه الايّام سوى الى أفكار بسيطة أيضا. بين هذه الأفكار الاقتناع بان الجانب العربي عموما والجانب الخليجي تحديدا، لا يبحثان عن أي مشاكل مع أي طرف كان وانّهما يدركان طبيعة المشاكل التي تعاني منها دولهما، بما في ذلك مشكلة التعليم والبرامج التعليمية التي تنتج اجيالا من المتطرّفين. ليس ما يمنع ان تساعد الولايات المتحدة في تطوير البرامج التعليمية من اجل نشر ثقافة التسامح من دون ان يعني ذلك غياب أي مسؤوليات أميركية. تبقى المسؤولية الاميركية الاولى بالطبع، الاعتراف بانّ الإرهاب ليس سنّيا فقط. مثلما هناك "داعش" هناك الميليشيات المذهبية الايرانية، في مقدّمها "الحشد الشعبي" الذي يضمّ مجموعة متميّزة من هذه الميليشيات العراقية. من هذه الفكرة البسيطة يمكن ان ينطلق ترامب في القمم الثلاث التي ستنعقد في الرياض. انطلاقا من هذه الفكرة البسيطة ايضا، يستطيع الرئيس الاميركي الذهاب بعيدا، بل بعيدا جدّا في تغيير المنطقة وخوض حرب ناجحة على الإرهاب بمشاركة روسيا... او من دون مشاركتها في حال رفضت معرفة حجمها الحقيقي في عالم الثورة التكنولوجية. خيرالله خيرالله
مشاركة :