تحالف المالكي والخزعلي الذي يلوح في الأفق القريب، بجناحيه السياسي (حزب الدعوة) والعسكري (ميليشيا العصائب) هو الذي سيقود الانتخابات المقبلة إذا جرت في الموعد الذي يريده الطرفان، ومن حق الأطراف السنية الخشية من نتائجها.العرب هارون محمد [نُشر في 2017/05/18، العدد: 10636، ص(8)] يتبادل زعيما حزب الدعوة نوري المالكي، وميليشيا العصائب قيس الخزعلي، الأدوار منذ الآن، في الترويج للانتخابات النيابية المقبلة، وضرورة تنظيمها في ربيع العام القادم، وكل واحد منهما يستغل مواقعه الحزبية والميليشياوية في تهديد الأطراف الأخرى وإجبارها على القبول المسبق بمرشح تختاره فصائل الحشد الشعبي ليصبح رئيسا للوزراء والمقصود به، المالكي نفسه لا غيره، على طريقة “شاء من شاء وأبى من أبى”. وإذا كان المالكي يستخدم التقية الشيعية القائمة على إظهار خلاف ما تبطن، في طرح رؤيته، التي يحرص أن تكون تخويفية من تعطيل الانتخابات المقبلة، والتحذير من مؤامرة خفية تفتح الباب أمام المزيد من التدخلات الخارجية، كما جاء في تصريحاته الأخيرة خلال زيارته إلى النجف، فإن الخزعلي على العكس منه، يهدد علنا، ويلوح بالحرب على كل من يعارض خيار الحشد، حتى وصلت به الوقاحة إلى شطب المحافظات السنية العربية من خارطة العراق، لأن “بدرا” شيعيا على الأبواب، وهو الذي سيحكم المنطقة. وفي ظل حكومة خائفة يرأسها حيدر العبادي الذي يداهن المالكي ويخشى من سطوته، واضطر مؤخرا إلى الاجتماع به وطمأنته بعزوفه عن خوض انتخابات 2018 بقائمة مستقلة عن ائتلاف دولة القانون، كما أشار إلى ذلك النائب المعمم علي العلاق، الذي وصف الاجتماع بأنه صفى قلبيْ القطبين الشيعيين، وأزال منهما الزعل وسوء الفهم السابقين، وفتح صفحة جديدة للتفاهم والعمل المشتركين، حاضرا ومستقبلا، فإن ذلك يعني أن الآمال التي علقها بعض السياسيين على “استقلالية” العبادي في رسم مستقبله السياسي، وتحديد خياراته، بعيدا عن زعيم حزب الدعوة، قد تلاشت وباتت حديث مفلسين، تعصف في رؤوسهم أضغاث أحلام وتمنيات مستحيلة. وقد أثبت العبادي ومنذ تشكيله لحكومته الحالية في سبتمبر 2014 أنه “بياع كلام” من الطراز الأول، لا تفهم منه حقا أو باطلا، ولديه قدرة على الهروب إلى الأمام والتراجع إلى الخلف في وقت واحد، حتى يخيل لكثير من المعلقين السياسيين ومتابعي سلوكه وتصرفاته، أنه ازدواجي في خطابه وغير ثابت في مواقفه، وهذه سمات السياسيين القلقين الذين يفتقرون إلى الاستقرار النفسي قبل السياسي. وقد أثيرت بهذا الصدد قبل أيام مسألة أحد أطرافها، أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية وزعيم ائتلاف “متحدون” الانتخابي الذي تحول إلى حزب سياسي يحمل الاسم نفسه، حيث تعرض إلى انتقادات من الأطراف الشيعية لعقده مؤتمر حزبه التأسيسي في أربيل وليس في بغداد، وقد رد على تلك الانتقادات، بأن عددا من قادة حزبه الجديد، يخشون من الذهاب إلى بغداد لوجود أوامر قبض عليهم، أبرزهم وزير المالية الأسبق رافع العيساوي، ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي وعدد من منظمي الاعتصامات السلمية في بغداد والمحافظات، ومما قاله أسامة إنه تلقى تطمينات من العبادي لتأمين حماية للملاحقين عند مثولهم أمام محاكم بغداد وتسوية القضايا الملفقة ضدهم، لإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في مؤتمر الحزب الذي كان مقررا عقده ببغداد، ولكن رئيس الحكومة، ماطل وتهرب، مما اضطره إلى عقده في أربيل وهي ما زالت عراقية. ونفى مكتب رئيس الوزراء ما قاله النجيفي في بيان مقتضب، وطلع النائب العلاق وهاجم أسامة بشدة، ولم يكتف بذلك بل إنه أنكر أن يكون العبادي قد وعد عند مشاورات تشكيل حكومته الحالية بإنهاء قضايا المتهمين السنة، متناسيا عن عمد، أن العبادي قبل حصوله على ثقة البرلمان، تعهد أمام أكثر من 40 نائبا سنيا ذهب إليهم في بيت سليم الجبوري بتسوية قضايا المتهمين السنة، مؤكدا أنه يدرك أن التهم الموجهة إلى العيساوي مفتعلة، وزاد عليها أيضا أنه يعرف أن النائب السابق أحمد العلواني “مظلوم”. وبعيدا عن ادعاءاته وعنترياته، فإن العبادي ما زال يخضع لما يريده المالكي ويرضخ لما يقرره قيس الخزعلي، حتى أنه لم يستطع توجيه تهمة خطف الناشطين السبعة إلى العصائب التي أهانتهم وعذبتهم ليومين متتاليين، ثم أفرجت عنهم تلبية لمناشدة وزير الداخلية قاسم الأعرجي، وهو قيادي في ميليشيا بدر شقيقة العصائب، وليس استجابة لرغبة رئيس الحكومة التي وصلت في بعض مراحل المفاوضات مع الخاطفين إلى درجة التوسل. تحالف المالكي والخزعلي الذي يلوح في الأفق القريب، بجناحيه السياسي (حزب الدعوة) والعسكري (ميليشيا العصائب) هو الذي سيقود الانتخابات المقبلة إذا جرت في الموعد الذي يريده الطرفان، ومن حق الأطراف السنية الخشية من نتائجها المعروفة سلفا، وهي أبلغت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وواشنطن، بضرورة تأجيلها إلى وقت تتحرر فيه الموصل بالكامل، ونصف محافظة كركوك، وثلث محافظة الأنبار من احتلال داعش، وإخراج الميليشيات الشيعية من بغداد ومحافظتي صلاح الدين وديالى، وعودة جميع النازحين والمهجرين إلى مناطقهم، بضمنهم أهالي قضاء جرف الصخر شمال محافظة بابل، المحرر منذ عامين، حيث أعلن إياد علاوي وعلى الملأ خلال زيارة لمركز المحافظة قبل أيام، أن قادة الحشد، وحدد اسمي هادي العامري وأبومهدي المهندس أبلغاه، أن ملف نازحي جرف الصخر صار بيد إيران. ومن حق السنة العرب في العراق، الذين تعرضوا إلى التنكيل والتقتيل على الاسم والهوية والمنطقة، طيلة سنوات حكم حزب الدعوة، وما زال أربعة ملايين منهم يتوزعون في المنافي ومخيمات النزوح، ومحافظاتهم تئن من وطأة آثار احتلال تنظيم داعش وقمع الميليشيات، والحكومة تتحجج بعجزها المالي في تعميرها وإعادة نازحيها إليها، أن يتجهوا إلى خيارات تؤمن لهم على الأقل، حفظ دمائهم وحماية وجودهم وضمان مستقبلهم، فلا خير في بلد يحكمه جلاد طائفي وفاسد ولص وقاتل وكريه الخلقة والأخلاق. كاتب عراقيهارون محمد
مشاركة :