صدمة العلم والارتماء في حضن الأصولية: لطفية الدليمي

  • 5/19/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

صدمة العلم والارتماء في حضن الأصولية لطفية الدليمي انحسرت فنتازيا الخيال العلمي في الأدب كثيراً في زمننا وصار يُنظَر إلى رؤى الخيال العلمي بطريقة مختلفة لقدرتها على التوظيف التقني مثل استخدام صواريخ الدفع النووية العاملة بالاندماج النووي والمستخدمة لإرسال بعثات بشرية مأهولة إلى الفضاء أو في ابتكار وسائل مستحدثة لدراسة وظائف الدماغ البشري ومن ثم توظيف نتائج تلك الدراسات في حقل الإدراك الحسي الفائق أو معالجة بعض الاضطرابات العصبية الشائعة (الاكتئاب مثلاً). من المدهش حقا أن نشهد الكثير من مخرجي أفلام الخيال العلمي الأكثر حداثة وهم يعملون في مؤسسات علمية وهندسية كبرى مثل وكالة ناسا الفضائية، وأقرب مثال لنا المخرج العالمي جيمس كاميرون مخرج فيلم “أفاتار” الذي شارك في تصميم مركبة الهبوط المريخية، وهذا مؤشر حاسم على أن التخييل العلمي الروائي أو السينمائي ما عاد محض فنتازيا يوتوبية بل صار موضوعاً قابلاً للتوظيف المباشر في أغلب الأحيان. فقد شهدت رواية الخيال العلمي في العقود الأخيرة من القرن العشرين وبواكير القرن الحالي انقلاباً مثيراً عن الوضع الذي ساد تلك الرواية في بداياتها؛ إذ تناقصت الثغرة الفاصلة بين التخييل العلمي الروائي والتطبيقات العلمية الميدانية ووصل الأمر حدّ أن رواية الخيال العلمي المعاصرة لم تعد قادرة على اللحاق بالتطبيقات الثورية التي أصبحنا نشهدها الآن وبخاصة في ميدان الاتصالات والمعلوماتية والتطبيقات الإلكترونية والهندسة النانوية المصغرة وعلم المواد المخلّقة اصطناعياً، وربما يلقي “قانون مور” ضوءا كاشفاً على هذه الجزئية. يُخبرنا هذا القانون أن القدرة الاحتسابية للمكوّنات الصلبة في الصناعة الإلكترونية تتضاعف قدراتها كل ثمانية عشر شهراً، وقد صدقت تنبؤات هذا القانون بشكل مدهش حتى بضع سنوات خلت عندما صار معروفاً أن الصناعة الإلكترونية تشهد تغييرات متسارعة يعجز المرء عن وصفها كل بضعة أشهر، وليس هذا الأمر مجرد طروحات بحثية وحسب بل إننا نشهد جميعاً أمثال هذه التغيرات في قطاع الهواتف الذكية التي أضحت رفيقاً يومياً متطورا ملازماً لمعظمنا. على الرغم من الانعطافات الثورية التي جاء بها أدب الخيال العلمي المعاصر فهناك من يعتقد أن هذا الجنس الأدبي سيطاله الانحسار لواحد من سببيْن: السبب الأول هو منافسة أجناس جديدة تشبه أدب الخيال العلمي ويمكن توصيفها بأدب يوم القيامة، ذلك الأدب الذي يرسم سيناريوهات مرعبة للكيفية التي سيتلاشى بها العالم من جراء كارثة بيئية أو وباء غير مسيطر عليه، ويعدّ هذا اللون الأدبي شكلاً من “ديستوبيا” معاصرة أمست تلقى هوى في نفوس الكثيرين رغم أجوائها الكئيبة المنذرة بالنهايات الحتمية. أما السبب الثاني فهو تنامي المدّ الديني والأصولية العقائدية لأسباب كثيرة بعد خفوت الحركات الحداثية وضمور الانبهار بالعلم وتطبيقاته، وهذا ما يؤكّده آرثر كلارك الذي يرى أن معظم الناس يقفون اليوم مشدوهين أمام نظريات علمية أشبه بالملغزات السحرية (مثل الحوسبة الكمية ونظرية الأوتار الفائقة) التي تتطلّب مخيالاً رياضياتياً وإحساساً فيزيائياً لا يمتلكه الكثيرون؛ لذا آثروا الارتماء في أحضان الأصوليات الدينية التي تريحهم إزاء ألغاز العلم العصية على الأفهام. يختزل العالم الفيزيائي بريان غرين بطريقة رائعة الوضع الحالي وهو يكتب “إن الاكتشافات الفيزيائية المعاصرة تدفعنا إلى إعادة تصورنا اليومي للواقع بكيفية أشد إرباكاً من أكثر الروايات العلمية تخييلاً. صحيح أن رواية الخيال العلمي يمكن أن تخلق واقعاً غريباً ولكن الاكتشافات الفيزيائية الأخيرة تفوقها إبهاراً وغرابة”. كاتبة عراقية سراب/12

مشاركة :