الرباط: لطيفة العروسني بدأت حكاية الرسامة المغربية المعروفة لمياء مريم سكيرج مع النمل عندما اجتاحت هذه المخلوقات الصغيرة بيتها وانتشرت في بعض أركانه، وبما أن وجود النمل في البيت مزعج جدا لنا معشر النساء لأننا نرفض أن يحشر أنفه في شؤوننا، لا سيما في المطبخ، فقد قررت السكيرج أن تتخلص منه بشتى الوسائل وطرده من بيتها باستعمال المبيدات الكيماوية وحتى الوصفات الطبيعية، بيد أنها فشلت في ذلك. وبعد مدة انتقلت هذه الحشرات السوداء التي لا تتوقف عن الحركة إلى العيش داخل لوحات فنية خصصت لها معرضا بالكامل بعنوان بالفرنسية «لي فورمي» (النمل)، افتتح نهاية الأسبوع الماضي، ويستمر إلى غاية 8 يونيو (حزيران) المقبل برواق فان دوك في الرباط. أثار هذا المعرض فضولي فالتقيت بالرسامة لأكتشف أن معاناتها مع النمل في البيت هي نفسها معاناتي ومعاناة الكثير من النساء، بين الفينة والأخرى، والفرق هو أني لم ولن أفكر في رسمها. تقول السكيرج لـ«الشرق الأوسط»: «بعد فشلي في القضاء على النمل في البيت بدأت أراقبه وهو يتحرك في صفوف طويلة على الجدران وفي الزوايا، فاكتشفت أنه يشبه الإنسان كثيرا، فنحن مثل النمل نتحرك ونسير في كل الاتجاهات وحياتنا تسير وفق نظام منضبط». انبهرت السكيرج بهذه المخلوقات بعد مراقبتها فألفتها، وأحبتها. وتقول في هذا الصدد: «بعد مدة من مراقبتي للنمل، قررت أن أرسم (نملتي)، وهي نملة من وحي الخيال رسمتها بأجنحة طويلة وبدت مثل أنثى، ثم توالت الأفكار واللوحات ولا أفكر حاليا في التوقف عن رسم النمل، لأنه معروف عني كلما اخترت موضوعا معينا للوحاتي لا انتهي منه إلا بعد سنوات. تضيف السكيرج أن في معرضها الحالي المخصص للنمل لم تغير الموضوع فقط، بل أيضا أدوات وتقنية الرسم، فبدل الصباغة استخدمت الرسم بالحبر الصيني الأسود، كما استعملت الورق بدل القماش. رسمت السكيرج النمل في أشكال وأحجام مختلفة بشكل فردي وجماعي وبخلفيات على شكل رسومات هندسية، وكأنها أرادت أن تنقل لنا في استعارة مجازية عالم هذه المخلوقات المجهرية التي بدأت تراها قريبة إلى عالم الإنسان بشكل عام، وعالم النساء بشكل خاص، لأن الحديث عن النملات يجري دائما بصيغة المؤنث. في إحدى لوحاتها رسمت السكيرج «بورتريه» نملة يشبه وجه إنسان بعيون بارزة تنظر إلينا بذهول، وفي لوحة أخرى تحولت صفوف النمل إلى خطوط كتبت بها عبارة «تألمت فتعلمت فتغيرت»، سألتها أن كانت هذه العبارة جاءت على لسان إحدى نملاتها، فضحكت وردت أن تلك الجملة عبرت بها عن حالة خاصة كانت قد عاشتها فدونتها في لوحة ولم تكن تنوي عرضها. وسألت السكيرج أيضا أن كانت ما زالت تستضيف النمل في بيتها، فأجابت بأن أعداده قلت بكثير عن السابق، لكن ما زال في غرفتها الخاصة صف من النمل تراقبه وهو يأتي ويذهب من دون ملل لأنه لم يعد يزعجها «فنحن نعيش مع بعض». جدير بالذكر، أن الرسامة لمياء مريم سكيرج من مواليد 1968 بسان أنطونيو بتكساس بالولايات المتحدة الأميركية، رسمت أول لوحة في سن الثالثة عشرة من عمرها، وبعد حصولها على البكالوريا (الثانوية العامة) درست الفنون الجميلة بالأكاديمية الأميركية لفنون باريس، كما درست الهندسة الداخلية بنفس الأكاديمية، ومنذ 1991 أقامت عدة معارض فردية وجماعية بالمغرب وخارجه، لا سيما في باريس وإيطاليا.
مشاركة :