لم يجد متظلمون من فصلهم من وظائف حكومية وجامعات، سوى اللجوء إلى الإضراب عن الطعام، احتجاجاً على عزلهم للاشتباه في انتمائهم إلى جماعة الداعية المعارض فتح الله غولن، من دون تحقيق رسمي أو إبراز دليل ملموس. وكان جزء من هؤلاء، ويتجاوز عددهم 40 ألف شخص، معادين تقليدياً لجماعة غولن، وحذروا من تغلغلها في أجهزة الدولة، برعاية حكومة حزب «العدالة والتنمية» سابقاً. وطيلة 74 يوماً، واظب الزوجان نورية غلمان وسميح أوز أكشه، وهما أكاديميان وأستاذان جامعيان فُصِلا من جامعة أنقرة، على إضرابهما عن الطعام واحتجاجهما في زقاق مشهور في أنقرة، أمام المارة من أجل جذب انتباه آخرين ودعم قضيتهما. وتدخلت أجهزة الأمن مراراً لتفريق محتجين داعمين للزوجين، وأوقفت عشرات حاولوا الانضمام إليهما، علماً أن الزوجين المضربين عن الطعام كانا سُجنا شهراً بشبهة انتمائهما إلى جماعة غولن، حيث تعرّضا لضرب مبرح. وإذ لم يثبت عليهما أي دليل، أُفرج عنهما، ولكن بعد فصلهما من عملهما. وتتهرّب الحكومة من التعليق على وضع هذين الزوجين، وعشرات الآلاف مثلهما، وتكتفي بإعلان أن لجنة ستُشكّل لدرس طلبات التظلّم. لكن تشكيل اللجنة يسير ببطء شديد، كما يحرم قانون الطوارئ هؤلاء المتظلمين من طرق باب أي مؤسسة قضائية أو قانونية للتظلّم، بعدما أصدرت المحكمة الدستورية العليا قراراً أفاد بأن قرارات الحكومة في حالات الطوارئ، لا تخضع لمساءلة أو لنقض أو لطعن أمام القضاء. وكــان الرئيس رجب طيب أردوغان أشار إلى أن حال الطوارئ قد تبقى مفروضة في تركيا لفترة طويلة جداً، مستشهداً بفرنسا، ومؤكداً أن قانون الطوارئ لا يمسّ النشاط العام للمواطنين ولا الاقتصاد، ومشدداً على أن رفعه لن يتم قبل عودة الهدوء والاستقرار والأمن مجدداً. وتعتقد المعارضة بأن أردوغان يشير في ذلك إلى مرحلة ما بعد انتخابات الرئاسة المرتقبة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، وبعد أن يضمن فوزه فيها. ويستعــــد حزب «العدالة والتنمية» الحاكــــم اليوم لاختيار أردوغان زعيماً له مجدداً، خلال مؤتمر طارئ دعا إليــه قادة الحزب، بعد إقرار النظام الرئـــاسي في استفتاء نُظم في 16 نيسان (أبريل) الماضي، وأتاح للرئيس الانضمام إلى حزب سياسي. وأشار أردوغان إلى أنه سيعطي الشباب فرصة أكبر في قيادة الحزب، علماً أن كثيرين يرجّحون أن يعمل لإعادة هيكلته ولتصفية القياديين المخضرمين والمشكوك في ولائهم المطلق له. كما ستُستحدث مناصب جديدة في الحزب، وستُطبق معايير جديدة في قانونه الداخلي، مراعاة لوضع رئيس الوزراء بن علي يلدرم الذي سيترك زعامة الحزب، لكنه سيبقى رئيساً للوزراء. ويعني ذلك أنه قد يُمنح منصـــب نائب رئيس الحزب. وتتوقّع مــصـــادر في الحزب إقرار قانون داخلي جديد، يعزّز سلطة زعيمه ويمنع أي تمرد داخلي أو انقسام.
مشاركة :