عاصم الدسوقي: التاريخ يبدأ عندما تنتهي السياسة

  • 5/22/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: عيد عبد الحليم يرى المؤرخ د.عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ والعميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة حلوان، أننا لا نتعامل بشكل علمي عند الحديث عن التاريخ وهذا خطأ كبير، فليست هناك اجتهادات في عملية البحث عن الأحداث والوقائع الحقيقية المتعلقة بالأشخاص والرموز، وتقصي الأمور بشكل موضوعي. وللوقوف على ضرورات وآليات البحث التاريخي الموضوعي كان للخليج معه الحوار التالي. كيف يمكن التعامل مع الرموز التاريخية عند الكتابة عنها؟- إن العلم مستقل عن السياسة والدين، وفي التاريخ على الدراس ألاَّ يصدر حكماً، وأن يفسر الوقائع بالرجوع إلى الظروف المحيطة، ويرصد الحقائق فقط، إضافة إلى تقصي الأشياء بموضوعية، من دون الحكم على الشخص الذي يؤرخ له. وعلى سبيل المثال عندما تقول «سعد زغلول كان مهادناً» فهذا عنوان خاطئ، الأفضل للمؤرخ أن يرصد الحدث فقط دون أن يضيف رأيه.هل توجد اجتهادات لدى المؤرخ الذي يتصدى للتأريخ للشخصيات؟- لا توجد اجتهادات في التاريخ، اللهم إلا في جمع الوقائع التاريخية، لا ينبغي الحكم على الأشخاص، الحكم - دائماً - يكون للقارئ، أما المؤرخ فيتحدث عن النسبي وليس عن المطلق، وليس له إبداء رأيه، لأن إبداء الرأي يخرجه من حيز «المؤرخ»، وإن حدث ذلك يكون خطأ كبيراً، وبعيداً عن المنهج العلمي السليم.هل هناك قداسة عند كتابة تاريخ الأشخاص؟- تقديس الشخصيات ليس في العلم أبداً، وما تم في ذلك لا يمكن اعتباره تاريخاً، فكل الشخصيات يؤخذ منها ويرد عليها، لأنها في النهاية بشر، لهم إيجابيات ولهم أيضاً سلبيات، وحدود النقد مرتبطة بالوقائع التي يجب أن تتوافر للباحث، الذي عليه أن يتجرد من الأهواء الشخصية، والانحيازات العصبية، والأفكار المسبقة، لأن هذه الأمراض لو دخلت أو تسربت إلى البحث التاريخي، فسنجد تشويهاً متعمداً للأحداث، كما سنجد لياً لعنق الوقائع، من أجل تجميل أشخاص بعينهم، وهذا تزوير في التاريخ يضر بعملية البحث العلمي، ويضر بالأجيال التالية. على المؤرخ أن يكون كاشفاً وراصداً بحيادية تامة، دون تحزب أو انحياز لعصر ما، أو شخصية ما، حتى تجيء كتابته وأقواله مطابقة للواقع.ما أهمية الاستناد إلى مراجع تاريخية؟- كتابة التاريخ هي ذكر الوقائع من مصادرها من أرشيف الدولة، حسب المجال. لو تكتب في الزراعة يجب أن ترجع لوثائق وزارة الزراعة، أو عن وثائق دولية، يجب أن ترجع للمنظمات العالمية، ويجب الرجوع إلى وثائق متعددة، وعدم إسقاط وثائق بعينها، لو تم خلاف ذلك فسيكون تدليساً غير مقبول على الإطلاق،لا بد من البحث العلمي الدقيق، لكن للأسف الشديد كثير من الباحثين والمتحدثين في التاريخ يغفلون جوانب مهمة عند تناولهم لبعض الأحداث التاريخية، كذلك لابد أن أؤكد أن من يتصدى للقضايا التاريخية لا بد أن يكون متخصصاً، ومتأكداً من المعلومة التي يوردها، حتى لا تُحدث بلبلة أو تشويشاً للرأي العام.هل يتم تدريس التاريخ عندنا بالشكل المطلوب؟- هناك فرق بين مادة التربية الوطنية ومادة التاريخ، في أمريكا يضعون صور رؤساء أمريكا في المدارس لتذكير الطلاب بزعمائهم ورموزهم التاريخيين، وفي تلك الأثناء يتم إسقاط المثالب والسلبيات. المدارس في مادة التاريخ تذكر وقائع فقط. عندنا العيب هو المزج بين السياسة والتاريخ، فالتاريخ يبدأ حين تنتهي السياسة، إضافة إلى أنه من المفترض أن يكون المقرر الدراسي التاريخي يشمل كل التواريخ قبل 2011، أما كتبنا المدرسية التاريخية منتهية عند حرب أكتوبر 1973.بعض المؤرخين يرى في التاريخ أحكاماً مطلقة.. كيف ترى ذلك؟- التاريخ نسبي، ليست هناك حقائق مطلقة. البعض كتب عن بعض الزعماء بشكل فيه مبالغة، وهذه رؤية غير دقيقة. فقد يكون الزعيم ناجحاً في السياسة الخارجية، لكنه يغفل الحياة الاجتماعية لدولته، والعكس، كثير من المؤرخين في عصور سابقة كتبوا من هذا المنطلق. أعتقد أن هناك جيلاً من الباحثين في أقسام التاريخ المختلفة في الجامعات العربية، يملكون الآن جرأة في البحث، وقدرة فائقة على المصداقية في التناول، وكذلك في المراكز المتخصصة في التاريخ العربي، سواء في مصر أو غيرها من الدول التي تعنى بهذا الجانب.كيف ترى تناول الدراما للشخصيات والرموز التاريخية؟- الدراما في خصومة مع التاريخ، لأنها تعبر عن وجهة نظر كاتبها، حيث يدخل إليها بفكرة مسبقة، ثم يجيء السيناريست ليغيّر في الموضوع، ثم تكون وجهة نظر المخرج، والمنتج كذلك، حيث يختار المشاهد المؤثرة لجذب المشاهد. ويضع خلطة جاذبة للجمهور؛ لأنه في الأساس يبحث عن شباك التذاكر، والعائد المادي، ولا يهتم كثيراً بصحة الوقائع أو الأحداث. الدراما تقوم على «تهويل» الأحداث وتكبيرها، دون النظر إلى صدق هذه الوقائع وصحتها في الأساس، فهي تعمل على دغدغة مشاعر المشاهد وجذبه بطريقة متنوعة.الصورة الدرامية تختلف عن الحقيقة المدونة في التاريخ، التي يعتمد في الأساس على وثائق حقيقة. ولذلك نرى كثيراً من الأعمال الدرامية التي تناولت رموزاً وشخصيات تاريخية لم تتحر الصدق في أوقات كثيرة.كيف يجب أن يكون التناول الدرامي من وجهة نظرك؟- لا بد من كتابة ما للشخصية وما عليها، دون تفخيم أو تعظيم. عندما أخرج جمال عبد الناصر قانون الإصلاح الزراعي استفاد منه 99.5% من المصريين البسطاء والفقراء من المزارعين. عبد الناصر كان شخصية عظيمة ورائدة ومحبوبة من الناس، لكن لم يتم تناول هذه الشخصية درامياً بالشكل المناسب، وهناك كثير من الشخصيات بحاجة إلى نقلها إلى الدراما بالشكل الحقيقي حتى تكون قدوة للأجيال الجديدة.

مشاركة :