< على عكس الاعتقاد السائد، فإن العلاقات التجارية، وليست العسكرية أو السياسية هي التي بدت واحدة من أكثر العلاقات حيوية في العلاقات الدولية. فمنذ أن بدأت شركة ستاندرد أويل كاليفورنيا في التنقيب عن النفط في المملكة في عام 1934، كانت كل من المملكة والولايات المتحدة متجهتين لبناء علاقة خاصة ستستمر، وتترسخ لعقود مقبلة. وتوجت هذه العلاقة الخاصة بعلاقات ديبلوماسية كاملة في عام 1940، مدعومة بالاجتماع التاريخي الذي جمع مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - والرئيس فرانكلين روزفلت على متن إحدى السفن الحربية الأميركية في قناة السويس. ومنذ ذلك الحين، واستناداً إلى المصالح المتبادلة بين البلدين، عمل الملوك السعوديون ورؤساء الولايات المتحدة اللاحقون على الحفاظ على علاقة تعاون عسكري صمدت خلال الحرب العالمية الثانية والحقبة الشيوعية السوفياتية. السعودية أكبر مشترٍ خارجي للمبيعات العسكرية الأميركية، كما عملت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة وما زالت على تقديم المشورة العسكرية للمملكة. وعلى رغم هذا التعاون العسكري القوي، فإن التجارة هي ما يمكن أن تشكل جوهرة هذه العلاقة الخاصة في السنوات المقبلة. وفي الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري للمملكة، إذ استوردت خلال العام الماضي وحده أكثر من 22 بليون دولار من المنتجات والخدمات، أعتقد أنه يجب على البلدين أن يعززا علاقاتهما التجارية من خلال إنشاء تحالف اقتصادي أكثر استدامة. وفي ظل رؤية المملكة 2030 الطموحة، فإن وقت تأسيس مثل هذا التحالف الاقتصادي حان أوانه. ويعد مجلس الأعمال الأميركي - السعودي، الذي أنشئ لتعزيز وتطوير وتوسيع علاقات تجارية وثنائية استراتيجية بين البلدين، المنصة المثالية التي ستساعد في إقامة تحالف اقتصادي متين وقوي، إذ يكمن دوره الرئيس في تسهيل بناء ومتابعة حوار تجاري رفيع المستوى بين قادة الأعمال السعوديين والأميركيين. وفي إطار هذا المجلس، قامت الحكومة السعودية أخيراً بالإعلان عن برنامج قيمته 72 بليون دولار لمدة خمس سنوات يهدف إلى توسيع العمليات التجارية الأميركية في المملكة، وإقامة شراكات جديدة مع القطاعين العام والخاص. ومن المنتظر انعقاد المؤتمر السنوي لهذا المجلس يوم 25 آب (أغسطس) من العام الحالي في مدينة لوس أنجليس الأميركية. واستناداً إلى بعض مشاركاتي المباشرة والنشطة على هذا الصعيد، أستطيع التأكيد على أهمية الحوار المستمر بين قادة الأعمال في كلا البلدين. في تجربة العمل مع الحكومة السعودية عندما كنت مسؤولاً عن شؤون المملكة في الكونغرس، كان جزء أساسي من مهامي المساعدة في إنشاء وتعزيز نقاط التواصل بين حكومة خادم الحرمين الشريفين والمشرعين الأميركيين وقادة الأعمال على المستوى الفيديرالي وعلى مستوى الولايات. نتيجة لذلك، قمت بالمشاركة في عدد كبير من الاجتماعات والزيارات التي قامت بها وفود من الولايات المتحدة إلى المملكة. واطلعت خلال تلك الزيارات وبشكل مباشر على دور وتأثير الحوارات المباشرة في تقريب وجهات النظر السياسية، فضلاً عن تسهيل الأعمال التجارية. وهنا استند الى تعليق لزميل سابق لي في الكونغرس الأميركي إذ قال: «هذه الزيارات حقاً تزيل الكثير من الغموض والتساؤلات حول السعودية». وبصفتي الرئيس التنفيذي لشركة سعودية - أميركية مشتركة في المملكة، أعتقد أن هذا النوع من الشراكات (joint venture) يمكن أن يشكل قناة قوية للوصول إلى تحالف اقتصادي قوي ومستدام بين البلدين من خلال تمكين الشركات من التوسع خارج حدودها والوصول إلى أسواق جديدة. فعلى سبيل المثال، ثبت أن الحصول على التكنولوجيا من الشركة الأميركية الأم ونقلها للمملكة في مقابل تمكينها من الدخول غير المسبوق والنوعي إلى السوق السعودية، الذي تعد أكبر سوق في الشرق الأوسط، هو معادلة النجاح. إن زيارة الرئيس ترامب إلى المملكة، تشكل باعتبارها المحطة الأولى له في جولته الدولية الأولى كرئيس، مؤشراً على خصوصية العلاقة بين البلدين، والتي لا تزال تؤتي ثمارها من خلال تحقيق النمو التجاري لكلا البلدين. أرى أن الوقت حان ليعمل البلدان على تطوير علاقاتهما التجارية والوصول بها إلى تحالف اقتصادي بوصفه الخطوة التالية والطبيعية التي يتعين عليهما أخذها. وأخيراً، يحسب للقيادتين السعودية - الأميركية جهودها في إبراز كيف يمكن للشراكات الكبيرة أن تحقق قيمة متبادلة ورخاء للمواطنين في البلدين، على حد سواء. *الرئيس التنفيذي لشركة آل سالم جونسون كنترولز.
مشاركة :