لماذا فاز اليمين في أميركا المنفتحة وخسر في فرنسا العنصرية؟

  • 5/22/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أعلنت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية مؤخراً عن فوز مرشح الوسط المعتدل إيمانويل ماكرون برئاسة الجمهورية الفرنسية بعد صراع حامي الوطيس وضعه أمام اليمينية المتطرفة ماري لوبان. فوز كان ليقبله المنطق لو أنه تحقق قبل سنوات، فمن يقبل بصعود مرشحة تنادي بالكراهية والطرد لفئة واسعة تشكل جزءاً لا يتجزأ من الشعب! لكن ما أسفرت عنه صناديق الاقتراع في الدول "الديمقراطية" الكبرى عامنا هذا جعل المنطق يؤيد ابنة اليميني جان-ماري لوبان لتبوؤ مقعد الرئيس في قصر الإليزيه بعدما تفوق ذو الفكر اليميني دونالد ترامب في بلاد العم سام، وانتزعت زميلتهما أيديولوجياً تيريزا ماي منصب رئيس وزراء بريطانيا. وبداية دعونا نوضح نقطة هامة، فالمواطن الأميركي كفرد مفكر يعتبر ذا قابلية كبيرة لتقبل الاختلاف والرأي الآخر، وقبول ديانات متعددة وأيديولوجيات مختلفة، فالإنسانية أولوية بالنسبة لهم يضعونها فوق كل هذه الاعتبارات، بينما المواطنون الفرنسيون - خاصة العِرق الصافي - يعرفون بنزعتهم القومية المتشددة وتعصبهم لكل ما هو فرنسي من ثقافة وأدب وفن وأكل وموسيقى وفكر، وذلك نتاج أفكار زُرعت في المجتمع الفرنسي إبان قرون استعمارهم لدول شمال إفريقيا؛ لتتكون عندهم تلك الصورة الدونية عن كل مَن يعيش وراء البحار. إذا انطلقنا من هذه المقدمة لا بد أن تقودنا النتائج لعكس ما أفرزته الصناديق الفرنسية والأميركية بفوز لهيلاري كلينتون وصعود لماري لوبان، العكس ما حدث، وسنحاول تلخيص أسباب ذلك كالآتي: - أخطأت ماري لوبان حينما قررت مهاجمة المسلمين فقط لأنهم مسلمون في بلد يتجاوز عدد المسلمين فيه السبعة ملايين، نصفهم مهاجرون مغاربيون، لهم وضعية قانونية تخول لهم التصويت في الانتخابات، مهاجمتهم لم تفقدها فقط أصواتهم، بل دفعت الكثير منهم للتصويت لماكرون، وإن خالفوه في بعض القضايا. بينما عندما قام ترامب بالمثل لقي تأييداً كبيراً نظراً للصورة السيئة التي يسوقها الإعلام والسينما الأميركيان لمواطنيهم حول المسلمين؛ حيث إن نسبتهم قليلة مقارنة بعدد مواطني الولايات، وبالتالي من المستحيل أن يؤثروا على نتائج التصويت، ولا أن يصححوا صورتهم المشوهة في الرأي العام. - لا يشعر مواطنو فرنسا أنهم الهدف الأول للمنظمات الإرهابية رغم الهجمات التي تعرضت لها مؤخراً، إلا أنها تظل نتيجة لثغرات أمنية، ويمكن سدها وتحويل أنظار الإرهابيين عن البلد، خاصة مع بعض المساعدات من بلدان تقدمت في هذا الميدان كالمغرب. بينما تظل الولايات المتحدة الهدف الأول والأعظم المشترك بين كل المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط، ومع تعظيم الأمر وتضخيمه في الإعلام يحس المواطن الأميركي بنفسه مهدداً بقوة ما صب في صالح ترامب الذي لعب على هذا الوتر طيلة حملته الانتخابية. - عندما تطرق دونالد ترامب للحديث عن النواحي الاقتصادية لبرنامجه الانتخابي أحس المواطن الأميركي باطمئنان وثقة؛ كون المتحدث أحد أعظم رجال الأعمال حول العالم، ومهما كانت سياساته الاقتصادية تبدو صعبة المراس وذات شروط ومواقف تعلي من مصلحة الولايات المتحدة قبل مصالح شركائها، بغض النظر عمن كانوا، فإن ترامب استعمل سمعته الاقتصادية ليمرر هذا الملف بسلام دون أن يتم التدقيق فيه بشكل مفصل. بينما غلبت النزعة القومية على الجانب الاقتصادي لبرنامج لوبان لتعد بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي اقتداء بحليفتها التاريخية بريطانيا، وكل عاقل يعرف أن التشبه ببريطانيا، خاصة عند الحديث عن الخروج من كنف المؤسسة الأوروبية، هو خطوة غير محسوبة العواقب. فبريطانيا تعاني الآن - في صمت ربما - من تبعات هذا القرار الذي سيرهق اقتصادها، ويفرض عليها الالتزام بقوانين تحد من الشراكة بينها وبين الدول الأوروبية، وهو آخر ما قد يرغب به المواطن الفرنسي في الفترة القادمة. - لا بد أن نعترف بأن روسيا تشكل حالياً معادلة صعبة في المطبخ السياسي العالمي، فالكرملين بجهاز مخابراته الخارق كان له دور حاسم في خسارة هيلاري كلينتون، باختراقه لحسابات بريدها الإلكتروني وتسريبها، وتأييد دونالد ترامب، الذي قد يصل في الكواليس حد تمويله أو مده بمعلومات سرية عن إدارة أوباما. وتعد فرنسا خارج اهتمامات روسيا؛ لكونها ليست بالعنصر الفاعل في الساحة السياسية والاقتصادية العالمية، كما أن دورها في الوضع الذي يعرفه الشرق الأوسط صغير، ولا فائدة تُرجى من إدارة تسير في نفس التوجهات الجديدة التي تحبذها موسكو، مما أفقد لوبان أحد الأسلحة التي ساهمت في فوز يمين ترامب بالرئاسة. - وأخيراً سأختم بالسبب الأخير الذي قد لا يأبه له الكثيرون، أن تترشح لانتخابات رئاسية وأحد أقربائك خاض هذه التجربة قبلك يجعلك تتحمل وزر كل خطأ قام به، وكل موقف آمن به ليتأثر الناخبون بذلك، وهو ما أضعف موقف هيلاري كلينتون، عندما بدأ منافسها يربط بينها وبين أخطاء زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون. بالمثل تأثرت ماري لوبان بأفكار ومواقف والدها جان ماري لوبان، الزعيم اليميني المتطرف ذي النزعة العنصرية القوية نحو المهاجرين والعرب بصفة خاصة، حتى إن جاك شيراك رفض إجراء مناظرة رئاسية معه سنة 2004 نظراً لمواقفه العدائية، وهو ما انتقل وراثياً في أذهان الناس إلى ابنته، علماً أنها طردته من حزب الجبهة الوطنية اليميني، إلا أن التخلص من تبعات العلاقات العائلية مع أحد السياسيين يبدو صعب المنال. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :