لم يسبق أن حظيت زيارة رئيس دولة باهتمام إعلامي وحفاوة واستقبال مهيب كما جرى مع زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية يوم العشرين من مايو 2017، وهي الزيارة التي تم في يومها الأول توقيع صفقات اقتصادية وأمنية وعسكرية بحوالي 500 مليار دولار على مدى عشرة سنوات وهو أيضا الأمر الذي لم يحدث مثيلا له في تاريخ العلاقات بين الدول. ومنذ اليوم الأول للزيارة توافد زعماء ومسئولون عرب ومسلمون من 55 دولة للرياض للاجتماع بالرئيس ترامب في إطار قمة أميركية خليجية تلتها قمة أميركية عربية إسلامية. يحدث كل ذلك مع رئيس أعلن منذ حملته الانتخابية عدائه للإسلام والمسلمين واتخاذه خطوات عملية بمنع رعايا سبع دول عربية من دخول الولايات المتحدة، وإعلانه عزمه نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، وفي ظل فقدان الرئيس ترامب لشعبيته داخل بلاده وحتى داخل حزبه الجمهوري وفي ظل غموض وعدم وضوح سياسة أو استراتيجية أميركية واضحة تجاه المنطقة حتى في الملفين الرئيسين اللذين هما محور اهتمام المجتمعين وهو الخطر الإيراني وخطر إرهاب الجماعات المتطرفة. حفاوة الاستقبال وتفاؤل المراهنات توحي وكأن هناك تغيرا جوهريا ما بين الإدارة الاميركية في عهد ترامب وإدارة سلفه أوباما، وكأن ترامب سيصحح الأخطاء التي اقترفتها الإدارة السابقة بحق دول المنطقة وخصوصا الخليجية. مع عدم إنكار الاختلاف بين شخصية أوباما وشخصية ترامب وبين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، إلا أن ما يحكم كل الإدارات الأميركية هو مبدأ الاستمرارية والتواصل استراتيجيا والتغيير في السياسات والتكتيكات، وبالتالي محدودية قدرة الرئيس على تغيير الاستراتيجية وشبكة المصالح المرتبطة بها بسهولة. من هذا المنطلق فإن إدارة ترامب جاءت لتحصد ما زرعته إدارة أوباما. فهذه الأخيرة صنعت أو على الأقل دعمت ومولت تنظيم داعش وجماعات إسلاموية أخرى بشكل مباشر أو عن طريق دول حليفة لها، في إطار سياستها لصناعة الفوضى الخلاقة في المنطقة، وهي التي تواطأت مع إيران لتدمير العراق ونشر الفتنة المذهبية ووقعت مع إيران الاتفاق النووي وضخمت من قدرات إيران لتبتز من خلالها دول الخليج، وبعد أن حققت إدارة أوباما مأموريتها جلبت الدولة العميقة في واشنطن الرئيس ترامب ليوظف ما حققته الإدارة السابقة وليحصد ثمارها من خلال توظيف فزاعة ارهاب الجماعات المتطرفة والخطر الإيراني. لا نعتقد أن العقلاء في دول الخليج وفي الدول التي حضرت القمة الأخيرة يجهلون هذه الحقيقة، ولكنهم للأسف لا يستطيعون البوح بالحقيقة. بناء على ما سبق يمكن تقييم زيارة ترامب للرياض والقمم الثلاثة وفي هذا السياق نرصد الخلاصات التالية: 1- تعتبر الزيارة والقمم الثلاثة منعطفا مصيريا في الشرق الأوسط حيث تم تغيير طبيعة الصراع في الشرق الأوسط والذي كان عنوانه تاريخيا الصراع العربي الإسرائيلي، وأصبحت مشكلة الشرق الأوسط اليوم والخطر فيه مصدرهما الدول العربية والإسلامية نفسها وليس إسرائيل أو المصالح والتدخلات والقواعد العسكرية الغربية. 2- لأول مرة يحدث اجتماع كبير في المنطقة يتم فيه تجاهل جوهر الصراع في المنطقة وهو الصراع العربي الإسرائيلي، حتى المبادرة العربية للسلام وحل الدولتين لم يتم ذكرهما لا في خطاب العاهل السعودي ولا في خطاب الرئيس ترامب، وقد بدا الرئيس الفلسطيني في المؤتمر وكأنه شاهد زور على محاولات الالتفاف على القضية الفلسطينية بل وتجاهلها. 3- كان من المفهوم التركيز على خطر الإرهاب الإسلاموي والخطر الإيراني من وجهة نظر المؤتمرين، ولكن الاحتلال الإسرائيلي أكثر اشكال الإرهاب فظاعة لأنه يحتل أراضي شعب فلسطين ويحول بينه وحقه في تقرير مصيره ويمارس الحرب والعدوان على كامل الشعب الفلسطيني وبالتالي فهو لا يقل خطورة عن الخطر الإيراني. 4- من خلال بروتوكول الزيارة بدا ترامب وكأنه صلاح الدين الأيوبي القادم ليس لإنقاذ القدس بل لإنقاذ الأنظمة الخليجية وخصوصا السعودية من تهديد حقيقي يتهدد وجودها حتى كدول، مما يعني أن دول المنطقة فشلت في مساعيها لحماية نفسها ومواجهة المخاطر المحيطة بها. 5- لم يتحدث الرئيس ترامب عن أي إجراءات عسكرية عملية لمواجهة خطر إرهاب الجماعات الإسلاموية المتطرفة والخطر الإيراني، وحديثه بهذا الشأن كان بصيغة المستقبل حيث كرر القول بأن واشنطن ستعمل، وستقوم، وستتخذ إجراءات الخ، بينما حمَل الدول العربية والإسلامية المسؤولية عن الإرهاب وعن مقاومته من خلال اتخاذ إجراءات لمحاصرة مصادر تمويل الإرهاب ومصادره الثقافية والفكرية، أيضا تأكيده بأن واشنطن لن تحارب نيابة عن الدول العربية والإسلامية. 6- كشفت كلمة الرئيس ترامب في القمة عن الأهداف الحقيقية من الزيارة حيث كانت كلمته موجهة للرأي العام الأميركي أكثر مما هي موجهة للمؤتمرين ولشعوب ودول منطقة الشرق الأوسط، فقد تحدث بداية عن منجزات الزيارة وهي الصفقات بمئات المليارات من الدولارات وتشغيل مئات الآلاف من الأيدي العاملة الأميركية وتنشيط الاقتصاد الأميركي، وكأن الزيارة عند هذا الحد حققت أهدافها. 7- الصفقات الهائلة التي تم توقيعها بدت وكأن ترامب أوفى بوعده خلال حملته الانتخابية بأنه سيجعل الدول العربية تدفع ثمن حماية واشنطن لها! وقد جعلها بالفعل تدفع متأخرات الحماية ومقابل الحماية المستقبلية من خطرين صنعتهما أو ضخمتهما واشنطن نفسها – الخطر الإيراني وخطر الجماعات الإسلاموية المتطرفة. د. إبراهيم أبراش أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر – غزة Ibrahemibrach1@gmail.com
مشاركة :