الإرهاب يخيم على جنوب شرق آسيا بقلم: محمد أبو الفضل

  • 5/22/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

استئناف الحديث بكثافة عن جماعة أبوسياف الجهادية في الفلبين وعودتها إلى الواجهة، يعد كاشفا عن طبيعة الحالة التي يمكن أن يصل إليها تيار العنف مستقبلا في هذه المنطقة.العرب محمد أبو الفضل [نُشر في 2017/05/22، العدد: 10640، ص(9)] من يزور أي دولة في جنوب شرق آسيا يشعر بحالة من القلق والهلع والخوف عند الكثير من المسؤولين فيها، فهناك تقدير واسع بأن هذه المنطقة على وشك أن تشهد موجة جديدة من العنف والإرهاب تختلف عمّا حدث خلال السنوات الماضية، موجة متفرقة في كل من الفلبين وبنغلاديش وإندونيسيا، بذورها أصبحت متناثرة وتجد من يغذيها ومن يرعاها. هذا التقدير الصادم جاء من تغلغل العديد من الحركات الإسلامية المتشددة للقواعد الشعبية العريضة التي تحولت إلى حواضن اجتماعية تدافع عنها أحيانا، بعد أن تعرضت لانكسارات سابقة جراء المواجهات الأمنية التي خاضتها بعض الحكومات وحققت فيها تقدما ملموسا قضى على جانب معتبر من المتطرفين. الزخم الذي تشهده هذه الحركات في الوقت الراهن يستمد جذوره من تنامي التشدد في الكثير من المناطق، وارتفاع معدلات الميول الطائفية والعرقية، وكثرة القوميات في جنوب شرق آسيا، التي تجد غالبيتها في الدين عموما ملاذا للالتحاف به وسط القواعد الشعبية. لأن هناك أكثرية مسلمة في جنوب شرق آسيا، فقد بدأت بعض الجماعات عملية ضخ دماء جديدة لجذب المزيد من المؤيدين والأنصار بصورة علنية، والتخلي عن الحذر والتوجّس والتخفي التي كانت تحكم عددا كبيرا من تصرفاتها. المشكلة أن الآلاف من الذين انضموا إلى تنظيمات متطرفة مثل القاعدة وداعش بفروعهما في دول مختلفة مثل العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان، عادت فلولهم إلى مواطنهم الأصلية عقب تصاعد المواجهات الإقليمية والدولية ضد هؤلاء، فضلا عن ضيق الخيارات أمامهم، ولأن ثمة أعدادا ليست هيّنة (قدرت بنحو 10 آلاف عنصر من جنوب شرق آسيا) تواجه هذا المأزق، فقد أخذت الحكومات تتوقع عودة بعض هؤلاء تحت ذرائع ومسمّيات متباينة. المشكلة تحولت إلى أزمة حقيقية الآن، بسبب حملات التحريض الدينية في دول بجنوب شرق آسيا تقوم بها بعض الحركات الإسلامية، بحجة أن هناك استهدافا للإسلام، وهي الطريقة التي تتبعها جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها منذ فترة، وهي المساواة بين الأشخاص ذوي الميول الإسلامية المتطرفة وبين الإسلام كدين، واختزال الأخير في هؤلاء. لعل المظاهرات التي خرجت في شهر فبراير الماضي في إندونيسيا ضد محافظ جاكرتا المسيحي باسوكي تجاهاجا بورناما، معبّرة بجلاء عن هذا المشهد، حيث استغل إسلاميون كلاما للرجل قال فيه إن إلزام المواطنين باختيار حاكم مسلم هو تفسير خاطئ. هنا استغل التيار الإسلامي المسيّس هذه الذلة، التي اعتذر عنها صاحبها لاحقا، وخرجت ضده مظاهرات حاشدة مندّدة به في ميدان الاستقلال أدت إلى سقوطه في الانتخابات المحلية ونجاح منافسه المسلم أنيس رشيد باسويدان. الأخطر أن الرجل الذي ينحدر من أصول صينية، قصد كشف خدع الإسلاميين حوكم بتهمة ازدراء الأديان وقضت المحكمة بحسبه عامين، وهو الحكم الذي قد ينهي مستقبله السياسي مع أنه عرف خلال ولايته السابقة بالرشادة ومكافحة الفساد، وشهدت العاصمة جاكرتا في عهده تحسّنا في مستوى معيشة سكانها، وكان الطريق مفتوحا أمامه للوصول إلى قمة السلطة في إندونيسيا، على غرار الرئيس الحالي جوكو ويدودو الذي شغل منصب محافظ جاكرتا أيضا. الواقعة السابقة تكشف إلى أي مدى يتزايد تيار التشدد، ليس في إندونيسيا فقط، لكن أيضا في عدد كبير من الدول المجاورة لها، وربما يعد استئناف الحديث بكثافة عن جماعة أبوسياف الجهادية في الفلبين وعودتها إلى الواجهة، كاشفا عن طبيعة الحالة التي يمكن أن يصل إليها تيار العنف مستقبلا في هذه المنطقة، الذي ربما يلقى تأييدا من قوى خارجية أصبحت أشد قلقا من نموها، وقد تسعى إلى استنزاف مواردها في حروب الإرهاب المعقدة. في المؤتمر الذي حضرته بجاكرتا الجمعة والسبت الماضيين، وجدت حالة نادرة من الخوف لدى البعض ممّن التقيتهم من مسؤولين وخبراء ومتخصصين في مجال مكافحة الإرهاب، بسبب تزايد المشكلات العرقية وتوظيفها من قبل الحركات المتطرفة التي يلتحف بعضها برداء عدد من الجمعيات الخيرية التي تمارس نشاطا اجتماعيا ظاهرا، لكن لها أنشطة سياسية مستترة. البيئة المتسامحة في إندونيسيا مثلا تلعب دورا مهمّا في زيادة جرأة الحركات والجمعيات الإسلامية للنفاذ إلى أوساط مختلفة، لذلك يكاد ينقسم المجتمع بين من يتبنون خطابا ملوّنا ومتشددا في النهاية، وبين من يروّجون لخطاب متسامح وليّن في العـلن والسر، وتـراهن الحكـومة الإندونيسية على الفريق الأخير ربما لأنه يستطيع التصدي للفريق الأول وقد يبتلعه سياسيا. الواقع الفعلي يقول إن هذه المعادلة لا تحتمل القسمة على اثنين، بمعنى من الصعوبة أن يقتسما المجتمع أو يبتلع أحدهما الآخر، لأن كل طرف لديه قناعات وأفكار راسخـة تسير في اتجـاه عكس الثاني، ولا توجد مسـاحة تتواءم مع الحـد الأدنـى من التفاهم المشترك الذي يقرّب المسافات بينهما ويفصل بين الدين والسياسة. الجانبان يمارسان السياسة، كلّ على طريقته وحسب الخيارات المتاحة أمامه، لكن في الحصيلة النهائية متصادمان باقتدار، وهو ما يزعج حكومات كثيرة في جنوب شرق آسيا أصبحت على يقين بأن العنف قادم لا محالة، ليس بسبب هذه الازدواجية، لكن لأن المشكلات الداخلية تتسع بصورة مخيفة والتسامح الفطري من الممكن أن يتحول إلى خطر محتمل. هناك تقدم اقتصادي لافت يقابله سوء عدالة في التوزيع، وتوجد طبقة اجتماعية محدودة مرفهة في حين ينتشر الفقر بين طبقات أخرى بالطريقة التي تزعج أي حاكم، لأنه يخشى من تحول عدد كبير من أفراد الطبقات الفقيرة إلى مستودع لقنابل بشرية موقوتة، إما بالانفجار في وجه الحكومات وإما بالانضمام إلى الحركات المتشددة، وفي الحالتين النتيجة قد تكون واحدة عنوانها المزيد من العنف ثم الإرهاب. المعادلة السـابقة، وجدت من يفهمها مبكرا ويستثمرها للحصول على النفوذ والتأثير السياسي، فقد أضحت دولة مثل إندونيسيا مجـالا خصبـا للمنـافسة والصراع بين قوى إقليمية بينها خلافات وخصومات عميقة، كل دولة تجذب إليها الأفراد والقوى السياسية المحلية، عبر تقديم مساعدات مادية موجهة إلى شخصيات وجماعات وطبقات بعينها أملا في توثيق العلاقة معها وتحويلها إلى منافع سياسية لاحقا. التدخلات الخارجية المتزايدة إحدى المعضلات التي تواجه إندونيسيا ووضعتها في موقف محرج، لأن ملامحها بدأت تظهر فوق الأرض دون أن تستطيع المواجهة بصورة حاسمة، ليس خوفا من أصحابها ومن يقفون خلفها، لكن لأنها تتخذ أساليب ملتوية معظمها يأتي على شكل مساعدات عينية تحولت بحكم الاستمرار إلى عادة يصعب قطعها ما لم تتمكن الحكومة من تقديم البدائل المناسبة. ما لم تتمكن الحكومة الإندونيسية من تجاوز هذه النوعية من المخاطر، سوف يظل شبح التطرف والعنف والإرهاب يتمدد ويتغلغل في المجتمع، ومرجّح أن يصل إلى غالبية دول جنوب شرق آسيا التي انتبهت للأزمة مبكرا وبدأت في التعاون والتنسيق لمواجهة الخطر المحتمل. كاتب مصريمحمد أبو الفضل

مشاركة :