الجيران تجمعهم الأحياء وتفرقهم الأهواء بقلم: يمينة حمدي

  • 5/23/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الجيران تجمعهم الأحياء وتفرقهم الأهواءالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، إلا أن وتيرة الحياة العصرية ووسائل التواصل الاجتماعي أصابت علاقات الناس الاجتماعية بالفتور وفرقتهم بدلا من أن تجمعهم.العرب يمينة حمدي [نُشر في 2017/05/23، العدد: 10641، ص(21)]صباح الخير يا جاري أنت في حالك وأنا في حال لم تعد مقولة “الجار قبل الدار” تجد امتدادا لها على أرض الواقع، فأغلب الناس لا يعرفون ملامح جيرانهم، وأحيانا لا يتعرفون عليهم، إلا إذا مروا من أمام بيوتهم ولمحوهم بالصدفة. وكان الأجداد في الماضي يحرصون على السؤال عن الجار قبل شراء الدار، لأن الأهم بالنسبة إليهم الجيرة الطيبة والعلاقات الاجتماعية التي يسودها الود والتفاهم والتعاون، ويراودهم على الدوام إحساس بالالتزام تجاه جيرانهم. ومن التقاليد الشائعة أن يحتفي الجيران بأي جار جديد يحل في المنطقة، ويتناوب الجيران على استضافته مع أسرته على مدار أسبوع كامل أو أكثر، إلا أن مثل هذه التقاليد الاجتماعية تكاد تختفي تماما في عصرنا الحالي. في العصر الحالي يعد الآباء ولا الأحفاد يعنيهم كثيرا السؤال عن الجار، فالجار في نظرهم ليس سوى شخص غريب يخشونه ويتوجسون منه ولا يحفلون كثيرا بربط علاقات معه. إلا أن الصحافي المصري أيمن عبدالسميع حسن يرى أن علاقة الجيران ببعضهم في البيئات الريفية مازالت أكثر ترابطا وحميمية. وقال لـ“العرب”، “بحكم أنني قروي وأقطن بقرية أولاد نصير التابعة لمحافظة سوهاج، فعلاقتي بجيراني جد طيبة، لأننا نعيش في مجتمع ريفي مترابط، وخاصة لأن جيراني في الغالب من أقاربي”.سامية ماني العيوني: علاقتي بجيراني علاقة قوية ومتينة ومبنية على الاحترام والتفاهم وأضاف “علاقات الجيران في قريتي مازالت حميمية، ولكنها بصفة عامة أقل بكثير عما كان سائدا في الماضي؛ وكل ذلك بسبب كثرة مشاغل الدنيا وهمومها”. وعلى الرغم من أن الجيران يمثلون جزءا لا يتجزأ من منظومة تطور البشر ضمن مكونات اجتماعية كبيرة، فقد أصبحوا من أكثر الأشخاص إثارة للتوتر في حياة الكثيرين، ووصل الأمر بالبعض حد امتناعهم عن إلقاء التحية على جيرانهم. وهناك العديد من العوامل التي أضعفت علاقات الجيران ببعضهم البعض، مثل طبيعة الشخصية المعاصرة، ونسق الحياة السريع والمكان الذي يعيشون فيه. وقال الموظف التونسي المقيم في واشنطن هشام الوحيشي لـ“العرب” إن علاقته بجيرانه مبنية على أساس الاحترام المتبادل نتيجة تشاركه معهم في الحي نفسه لسنوات طويلة، إلا أنه لم ينف حدوث بعض المناوشات من حين إلى آخر، أرجعها إلى ضغوط الحياة العصرية. فيما رسمت ابنة بلده المدرسة سامية ماني العيوني صورة أكثر مثالية عن علاقتها بجيرانها قائلة “علاقتي بجيراني علاقة قوية ومتينة ومبنية على الاحترام والتفاهم”. وأضافت لـ“العرب”، “إذا كان الجار من الأمور التي أوصانا بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف لي ألا أحسن لجاري؟ نحن كالأهل ولسنا مجرد جيران، نتبادل الزيارات والمأكولات ونتقاسم الأفراح والأحزان، وهناك محبة ومودة كبيرتان بيننا لا يمكن أن يبددهما أي شيء”. وأشارت دراسة استطلاعية إلى أن أكثر النزاعات والمشاكل التي تحدث بين الجيران في المجتمع البريطاني سببها مواقف السيارات بالدرجة الأولى، وأصوات الموسيقى ونباح الكلاب، بالإضافة إلى عدم رمي النفايات في الأماكن المخصصة لها. أما في المجتمعات العربية فقد أصبح قطع الصلات مع الجيران من الأمور الشائعة جدا، جراء النزاعات الشخصية ومشاكل الأطفال، كما ساهم الاختلاف في الاتجاهات السياسية والانتماءات المذهبية في مزيد فتور العلاقات بين الجيران، وتحول بعض الجيران إلى ألد الأعداء. ولعبت شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت أيضا دورا كبيرا في تراجع العلاقات الطبيعية لحساب العلاقات الافتراضية.أيمن عبدالسميع حسن: علاقات الجيران أقل بكثير عما كان سائدا بسبب كثرة مشاغل الدنيا ولم تخف الطالبة العراقية نرجس، التي فضلت عدم ذكر لقبها العائلي، عدم معرفتها بأغلب جيرانها، لأنها كما قالت لـ”العرب” تخير الدردشة على المواقع الافتراضية، بدلا مما يمكن أن يجلبه لها الجيران من مشاكل هي في عنى عنها. ويمكن لطبيعة البلد، سواء كان متقدما أو واعدا، منفتحا أو محافظا، أن تؤثر أيضا على علاقات الجيران في ما بينهم. ففي الدول التي تزيد فيها أعداد الوافدين على أهل البلاد الأصليين، يكون انكفاء الجيران على أنفسهم من الأمور الشائعة. وأظهرت مجموعة “إنترناشينز” العالمية للتواصل مع الوافدين أن 65 بالمئة من الوافدين في دولة الإمارات العربية المتحدة وبعض دول الخليج يختلطون اجتماعيا مع بعضهم البعض. وفي بلد كالمملكة العربية السعودية، من الطبيعي أن تجعل القوانين الصارمة التي تحكم المجتمع السعودي من الصعب على الوافدين بناء علاقات مع جيرانهم من المجتمع المحلي. وقد أكد 61 بالمئة من الوافدين الذين أجرت “إنترناشينز” مسحا لهم هناك، أنهم وجدوا بناء علاقات مع أهل البلاد أمرا صعبا. وأرجعت الأخصائية الاجتماعية السعودية حصة العمار تقلص التواصل والزيارات بين الأهل والأصدقاء والجيران إلى نسق الحياة السريع وانشغال الناس الدائم بمواكبة مجموعة لا متناهية من التحديات والمهام، مما جعلهم عاجزين عن وضع خط فاصل بين مشاغلهم الكثيرة وعلاقاتهم الاجتماعية. وأشارت في حديثها لـ”العرب” إلى أن توسع المدن وازدحام الأحياء، حملا معهما خليطا من البشر بأفكارهم وعاداتهم المتنافرة والمتباعدة أحيانا، مما أثر على علاقات الترابط والتقارب بين الناس، إلا أنها أكدت أيضا أهمية الجار الطيب الذي يمنح جيرانه الشعور بالانتماء والأمان والاطمئنان. وقالت العمار “الجار الطيب سيبقى على الدوام عضدا وعونا في الحياة لجاره، وسندا له في السراء والضراء، مهما تقلصت سبل التواصل والتحاور بينهما”. وأضافت “يكفي أن أعرف من هو جاري ليرتاح قلبي ويطمئن، ورسولنا الكريم أوصانا على سابع جار، فأرجو من الله أن يجعلني ممن يكونون فخرا لجيرانهم وسندا لهم في الأفراح والأتراح”. وأكد الخبراء أهمية الانسجام بين الجيران والترابط بين سكان الحي الواحد في القضاء على السلوكيات المعادية للمجتمع وتجنب أمراض العزلة، إلا أن علاقة التوتر التي أصبحت سائدة بين الجيران أكثر بكثير من الثقة والتعاون في ما بينهم.

مشاركة :