فلنقابل سياسة التقشف بمثال جديد يرتكز إلى المساواة

  • 5/28/2014
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي لم تحدّ سنوات من سياسات التقشف المدمرة الركود ولم تقلص أمده، على العكس، فلم تفلح السياسات هذه سوى في ترسيخ الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتعميقها ورفعها إلى ما فوق المستوى المعقول. اشترك صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية وعدد كبير من الحكومات الأوروبية في فرض سياسات خاطئة تقوم على اعتقادات مشكوك في صحتها وعلى أفكار تبسيطية. جلبت هذه السياسات في الأكثر الاستقرار للمصارف الأوروبية، بيد أنها فاقمت أوضاع البلدان التي مستها الأزمة. يشارك خبراء صندوق النقد اليوم هذا الرأي. انفجرت البطالة لتصيب أكثر ما تصيب الشبان. ويقبع حوالى ثلث العاطلين من العمل في فخ البطالة الطويلة الأمد. وبلغ الفقر والإقصاء الاجتماعي معدلات صادمة جداً. اختفى من الخطاب التضامن والتماسك اللذان كانا في زمن مضى حجَرَيْ الزاوية في التكامل الأوروبي. وما فتئت تتضخم معدلات الدَّين بالنسبة إلى الناتج المحلي الخام. ويعيق نمو الإنتاج في كثير من البلدان الأوروبية انخفاض الاستثمارات، ويضاف إليه فرار الأدمغة. وتتعمق التفاوتات لتهدد استقرار الاتحاد الأوروبي برمته. وتظهر تحليلات ذات صدقية أعدتها معاهد اقتصادية مستقلة وتحليلات اعدتها أخيراً أجهزة المفوضية الأوروبية، أن مقاربة مختلفة كانت لتتيح لأكثرية البلدان التي تعاني الركود، تجنب الركود المزدوج (انخفاض الناتج المحلي الخام ثم انهياره مرة ثانية بعد محاولة إنقاذ فاشلة) وللبلدان التي أصيبت بالأزمة من تراجعات شديدة الخطر. وكان في الوسع الوصول إلى تلك المقاربة البديلة، على المدى الطويل وبالمستويات ذاتها من الدَّين العام. إن سياسة شاملة مؤَسَّسة على إضفاء الاستقرار على العائدات وفرض حدود أقل قسوة على الإنفاق وتوجيهه نحو النمو، ورفع الاستثمارات في البنى التحتية والقطاع الاجتماعي وإعادة هيكلة الدَّين ودعم اجتماعي، كان في وسعها أن تلد أداءً اقتصادياً أقوى وتفتح آفاقاً أفضل للتمويل العام والديون. نحن مقتنعون بألاّ مفر من تغيير عميق، ونحضّ كل الشخصيات التي تتحمل مسؤولية سياسية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بعد الانتخابات الأوروبية في أيار (مايو) على دعم هذا التغيير. هذا هو معنى ندائنا المشترك. على الاتحاد إنهاء الأزمة وإعادة إطلاق اقتصاده بتوجيهه صوب النمو الدائم وإيجاد الوظائف. ويمكن صوغ سياسة اقتصادية كلية جديدة ووضعها قيد التنفيذ سريعاً. ويتعين أن تتمحور حول خمسة محاور رئيسية، هي: التمويل العام الموجه للنمو، واستراتيجية جديدة لإدارة الدَّين العام تشمل إعادة هيكلة دين البلدان التي بات فيها مستواه غير قابل للتحمل، تصفية أو إعادة هيكلة المصارف المتعثرة، وسياسة توظيف نشطة حقاً وشاملة وبرنامج أوروبي جديد للتضامن الاجتماعي. على السياسة الاقتصادية الكلية هذه أن تركِّز على خطة استثمارات سنوية عامة من مئتي بليون يورو في البنى التحتية مستفيدة من أثر زيادة رأسمال مصرف الاستثمار الأوروبي بعشرة بلايين يورو، لمتابعة التحول البيئي للاقتصاد الأوروبي وإعادة تأسيس قدرته التنافسية. وبعد ضمان عودة الاقتصاد الأوروبي إلى التقدم، على الاتحاد الانكباب على وظائف ومؤسسات الحوكمة الاقتصادية، ولا مناص من تجديد هذه البنى. وتحتاج أوروبا إلى قواعد أقل تعقيداً وتزمتاً، لمصلحة النمو وأكثر قدرة على التفاعل السريع والفاعل مع الصدمات الاقتصادية إلى جانب إجراءات أكثر ديموقراطية لاتخاذ القرار. وفي الوسع تحقيق هذه الأهداف من دون إعادة النظر في المعاهدات الحالية. من جهة أخرى، على أوروبا أن تتعامل بحزم أكبر مع التعمق الملموس لانعدام العدالة. وما من شيء يسمح بتأكيد أن التقليص (في التفاوت الاجتماعي) يؤدي إلى إبطاء نمو بلد ما. في المقابل، ثبت أن مستويات انعدام العدالة الآن تفضي إلى انعدام الاستقرار الاقتصادي وتؤثر سلباً في مجتمعاتنا. وعلى الحكومات الأوروبية تقليص مستويات التفاوت قبل أن يدمر هذا النموذج الاجتماعي لمجتمعاتنا. لهذا السبب، ندعو إلى استراتيجية جديدة من أجل تقاسم أفضل للعائدات والثروات. وعلى الاستراتيجية أن تدمج إجراءات تأخذ في الاعتبار التمويل والرواتب والحماية الاجتماعية، وعليها أن ترتكز على أهداف محددة لتقليص التفاوت داخل البلدان. وكملجأ أخير، على الاتحاد الأوروبي أن يطوِّر سياسته نحو اتحاد اجتماعي حقيقي يساند مساندة منظمة دول الرعاية الوطنية ويرشد نموها. أخيراً، عليه أن يضمن لكل أطفاله فرصاً متساوية في النجاح. وعندما يتأمن دخول أطفال العائلات الأقل حظاً إلى نظام حضانات جيد وإلى تعليم عالي النوعية – وإلى مطعم المدرسة - تصبح المساواة في الفرص أمراً واقعاً. لأوروبا التزام أخلاقي ومصلحة اقتصادية في إعادة تأسيس المساواة في الفرص. ومن هذا المنظور، يمكن القيام بالأعمال الأوروبية والوطنية وتنسيقها في إطار برنامج أوروبي من أجل المساواة في الفرص لدى الأطفال. ونعتقد بأن في الإمكان التقدم شرط تقديم تعريف نزيه وسليم للفجوات الماثلة في النظام الحالي والأخطاء المرتكبة والعمل لتصحيحها. ويمكننا غداً أن نجعل مقاربة جديدة تعمل قادرة على بناء مجتمع أوروبي أكثر عدلاً وازدهاراً وأكثر تحمُّلاً للمسؤولية البيئية وأكثر استقراراً. بعبارة ثانية، سيؤثر هذا النموذج الجديد في مسار العالم بأسره ولعقود مقبلة.     * تباعاً، صحافي واقتصاديان، عن «لوموند» الفرنسية، 22/5/2014، إعداد حسام عيتاني

مشاركة :