•للناجحين أياً كانت مجالاتهم ، قصص لاتخلو من عبر وفوائد ..والموسيقار محمد عبد الوهاب أو موسيقار الأجيال كما يحلو لمحبيه تسميته ، شخصية بلغت قمة النجاح - مهنياً واجتماعياً - على امتداد أكثر من سبعة قرون وصل خلالها إلى أقصى ما يمكن أن يحلم به فنان .. ولا أظنني أبالغ إن قلت انه ذهب إلى أبعد من أحلامه الشخصية بكثير.. ولعل أهم ما ميّز شخصية عبد الوهاب هو الوقار والهدوء الشديدان اللذان اكتسبهما من مخالطة ومجالسة الملوك والأمراء والساسة العرب ،والنخب الثقافية والمجتمعية على امتداد الوطن العربي.. حيث كان من القلة التي لم يختلف عليها العرب من الماء إلى الماء. • لم أورد هذه المقدمة لتمجيد الرجل أو اجترار بعض من سيرته الذاتية ..لكني رأيتها توطئة ضرورية لتعريف من لا يعرفه من الشباب ببعض نجاحاته التي سنأتي إلى ذكر أهم أسبابها في متن المقال .. وقد كنت شخصياً من محبي الاستماع إليه وهو يتحدث أكثر مما كنت استمع إلى موسيقاه ، فهو ممن وهبهم الله فصاحة وبلاغة وحسن منطق ، وربما كان لصحبته الطويلة لأمير الشعراء ( شوقي ) أثر كبير في هذا. • في أحد لقاءاته التلفزيونية سُئل عبد الوهاب عن سر نجاحاته غير المسبوقة ، التي أوصلته - دون غيره من الموسيقيين- إلى أن يكون أحد أعضاء مجلس الشورى المصري، وأن تنعم عليه الحكومة المصرية برتبة لواء ،وأن تمنحه إحدى الجامعات درجة الدكتوراة.. فأجاب باختصار : " أنا أُذنٌ كبيرة" !! .. وعندما لمح دهشة المذيع من تلك الإجابة التي بدت غريبة في البداية، استطرد موضحاً : إنني استمع كثيراً وكثيراً جداً، بل إنني أسمع أكثر مما أتحدث بعشرة أضعاف .. وهذه القدرة على الاستماع كانت مفيدة لي على الصعيدين المهني والشخصي.. فعلى الجانب المهني طوّرت الكثير من أعمالي بالاستماع الجيد إلى أعمال غيري والاستفادة من أخطائهم .. أما على الجانب الشخصي فقد ساهم استماعي إلى أفكار وآراء وخبرات الآخرين إلى زيادة خبراتي وتطوير قدراتي وأفكاري والاستفادة أيضاً من أخطائهم !! . •إذا كان الاستماع الجيد هو أول طرف في معادلة نجاح عبد الوهاب فان الطرف الثاني لمعادلة نجاحه الطويلة هو التفكير المنظم والعميق ..حيث يضيف الرجل : الاستماع الجيد يقود إلى تفكير منظم .. وأكثر ما كنت أوصي به ابني بعد الاستماع الجيد هو التفكير المتروي .. كنت أطالبه دوماً أن يفكر بعمق .. يفكر قبل أن يعمل .. قبل أن يتكلم .. قبل أن يقرر.. بل حتى قبل أن يأكل !! • فن الإصغاء فن بسيط لا يجيده إلا الأذكياء .. فالمستمع الجيد يستطيع سماع الأفكار غير الشفاهية ، ليصبح بالتالي مفكراً جيدا .. وحتى من يتصفون بجفاف الطبع، وغلظة القول، يلينون في الغالب أمام مستمع، جيد وصبور.. وإذا كانت أدبياتنا العربية في بعض أمثالها تقدم الأذن على العين أحياناً .. فإنني هنا أقدمها على العقل في كل الأحيان فالفكرة الجيدة لا تدخل العقل إلا بعد استماع جيد . •علموا أبناءكم مهارة الاستماع إن أردتم أن يجيدوا فن الحديث .. فمن يجيد الاستماع سيستفيد حتى ممن يتحدثون بشكل سيىء .. علموهم أن حُسن الاستماع وحسن التفكير هما أول طريق الحكمة والنجاح. m.albiladi@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (61) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :