رغم كل البساطة الموجودة في الخطوط المرسومة كحدود للدول على أي خريطة سياسية يستعملها معلم اجتماعيات لطلابه، إلا أنه وطلابه ومدير مدرستهما لا يستطيعون أن يحركوا أي خط سنتيمتراً واحداً من دون إذن الأمم المتحدة.هذا هو بالضبط ما يحدث معي الآن وأنا أحاول أن أكتب شكراً بسيطاً لصحيفة «الراي» الغراء التي يتمتع بها القراء كونها جعلتني أتباهى أمام أبنائي بصورتي التي تقع في الصفحة الأخيرة ككاتب ربما لو لم يكتب، لنشرت صورته في الصفحة الأخيرة أيضاً، ولكن تحت بند الحوادث بعنوان فرعي (شاب كويتي مجنون للطب النفسي مهووس بـ«دونكيشوت» يصارع أعمدة الإنارة في الشارع على ظهر حمار).فرغم بساطة كلمة شكراً، كبساطة خطوط الخرائط... إلا أنها تعني لي الكثير.إن تخصيص مساحة لشاب يكتب طوال عمره من وراء حجاب ثم يجد نفسه فجأة ومن دون مقدمات على المنصة لمواجهة الجمهور بلا وسائط لهو شيء فعلاً يستحق أن أقول شكراً لكم أيها الأساتذة، فالكتابة ليست مجرد سطور الكاتب وأحبار المطابع، ولكنها أيضاً رائحة قميص يوسف الذي يشعرك بالأمل، في عصر لا صوت فيه يعلو على صوت الصورة، ولا عقل يعلو على صوت خلخال في قدم امرأة.شكراً لكل القراء الذين تعرفت عليهم من خلال هذا العمود وجلست معهم، واعتبروني صديقاً قديماً يحكون له ويقصون عليه مراحل من خط الحياة، ويشكون له وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب، رغم أنهم لم يتعرفوا عليَّ إلا من خلال الكتابة.. وشكراً يا أبلة (سارة) على «الكابتشينو»! وشكراً يا بويحيى على الشاي والعصير.شكراً لكل الذين أقابلهم فيطلبون مني أن أكتب عن موضوع ما يهمهم معتقدين أنني قد أغير مجرى التاريخ، أو يطلبون أن أعيد كتابة موضوع ما أثر فيهم معتقدين أنني قد غيرت في نفوسهم، أو يطلبون مني أن أتوقف عن الكتابة هنا... لأنه لا أحد يقرأ أصلاً... ثم يرددون (إنك لست محسوباً على المبدعين).شكراً لكل الذين تواصلوا معي عبر وسائل التواصل المختلفة، وأولئك الذين يقرأون من بعيد، وأولئك الذين يضعونني تحت سفرة طعامهم.شكراً لذلك الرجل الذي قال لي (كن مصدراً للصوت الذي يسمعه الناس، ولا يُفضي إلى صاحبه. واحذر من أن تنسى الله في الطريق، فعندها كل يقظة تصبح غفلة).ولا أنسى بالتأكيد كل الخادمات والفقراء وحراس الأمن واللاهثين خلف الإقامة والتعساء والبؤساء وأبناء الطبقة الوسطى الذين كتبت عنهم، ليزدادوا بؤساً وأزداد أنا شهرة... بالتأكيد أنتم تستحقون الشكر بحجم معاناتكم.شكراً لفئة شباب المقاهي والمتسكعين في المجمعات واللاعبين في الطرقات بعيداً عن الأندية الموقوفة رياضياً وأصحاب الأفكار الذين لم يستفيدوا من صندوق المليارين والتوجه الريادي إلى الآن، ولم يشاركوا في المؤتمرات المعدة مسبقاً ببرامج بعيدة عنهم، وكل الذين سمعوا أن (الكويت عاصمة الشباب) ورغم ذلك لم يخطر ببالهم ولو للحظة أنهم المقصودون بذلك... إلى كل هؤلاء شكراً لكم بحجم الخيبة.شكراً لكل المواطنين البسطاء الذين عطسوا في وجهي مع رذاذ من شكاوى الإسكان والتعليم والصحة، ولكل الوافدين الذين أغرقوني في حوض من التفاصيل التي كنت بعيداً عنها.من العسير أن أقرر هنا إذا ما كنت قد خرجت عن فحوى المقال أم أنني مازلت أدور في دائرته، ولكنني أستطيع أن أقول لك عزيزي القارئ بصدق إن كل شاب وشابة يستحق هذه التجربة التي حظيت بها على مستوى الكتابة.بالتأكيد لا أقصد تجربة الكتابة فقط، ولكن تجربة أن يُراهن عليك آخرون قائلين لك (تقدم ونحن متأكدون من أن لديك شيئاً ما لتقدمه).عندها يكون البدء الحقيقي من وعي الآخرين، وليس البدء من الكلمة التي يُراد للشباب أن يسمعوها... بل الكلمة التي يقولونها، والطريقة التي يقولونها بها.عموماً لا أريد أن أطيل عليك عزيزي القارئ ولكني أردت أن أتشارك معك مناسبة (السنة الثانية) للكتابة في هذا العمود.فشكراً لك على الشراكة والمتابعة والمحاسبة خلال السنتين الماضيتين.كاتب كويتيmoh1alatwan@
مشاركة :