في الستينات طلبت الحكومة الكويتية، ممثلة بوزارة الاعلام، من آرتشيبالد تشيزهولم ان يوثق فترة المفاوضات النفطية بين دولة الكويت من جهة، والجانب الانكليزي والاميركي من جهة اخرى، بحيث تغطى فترة المفاوضات النفطية ابتداء من عام 1911 عندما بادر الانكليز في عهد الشيخ مبارك – رحمه الله – بمخاطبته بهذا الشأن حتى عام 1934 من عهد الشيخ المرحوم احمد الجابر عندما تم توقيع اتفاقية الامتياز الأولى. استعان ارتشيبالد تشيزهولم بمعلومات ووثائق جمعها من شخصيات لها دور رئيسي في أحداث تلك الفترة، وهم السير جون لورد كادمان والكولونيل هـ. ر.ديكسون والميجور فرانك هولمز والسير آرنولد ولسون. ومن بين المصادر التي استند إليها ارتشيبالد تشيزهولم في كتابه اربع جهات مهمة وهي سجلات شركة البترول البريطانية في لندن وسجلات وزارة الخارجية والكومنولث في حكومة المملكة المتحدة في لندن وسجلات شركة الخليج في بيتسبرغ في اميركا وسجلات الحكومة الاميركية في واشنطن دي سي، ولهذا يعد هذا التوثيق الذي قام به تشيزهولم هو الاكثر اهمية، وقد قامت الحكومة الكويتية بإصداره في شكل كتاب. كانت بداية الاحداث النفطية في منطقة الخليج عندما وقع الانكليزي دارسي على اتفاقية مع ايران حصل فيها على امتياز التنقيب عن النفط والانتاج في ايران في عام 1901، اذ اسس بعد هذا الحدث شركة البترول البريطانية الفارسية (أبوك)، وقامت هذه الشركة في نوفمبر 1911 بمخاطبة المقيم السياسي البريطاني في الخليج عن امكانية مخاطبة حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح للحصول على امتياز التنقيب عن النفط في الكويت، اعتذر المقيم ونصح بالتأجيل بسبب ظروف المنطقة. في مارس ونوفمبر 1913 قامت الحكومة البريطانية باستخدام سلاح البحرية في مسح جيولوجي وتأكد لها وجود النفط في الكويت، وطلبت بريطانيا من الشيخ مبارك عدم منح الامتياز لأي جهة لا توافق عليها بريطانيا. في مارس 1917، اي اثناء الحرب العالمية الاولى، سمح حاكم الكويت الشيخ سالم الصباح لـ «أبوك» بعمل مسح جيولوجي، بعد اتمام المسح تأكد لـ «أبوك» وجود نفط في الكويت، وأن الكويت تقع جيولوجياً بالنسبة إلى تواجد النفط في وسط حوض نفطي كبير تلتقي فيه نفوط منطقة الخليج. طلب المقيم السياسي تأجيل التفاوض على الامتياز الى ما بعد الحرب. ويجدر هنا التوقف عند ذكر احدى الشخصيات التي ساهمت في هذا التوثيق، وهو الميجور فرانك هولمز الذي لعب دوراً ضاغطاً على الحكومتين البريطانية والاميركية جاءت نتيجته لمصلحة الكويت. ولد الميجور فرانك هولمز في مزرعة بريف نيوزلندا عام 1874، وعاش حياته عصامياً يتنقل من بلد إلى آخر يبحث عن مشاريع التعدين، وشارك في الجيش البريطاني في الحرب العالمية الاولى. بعد الحرب وفي احدى مهامه في اثيوبيا تحدث مع تاجر من الكويت، الذي ذكر له وجود بقع من النفط تتسرب إلى سطح الارض في منطقة الخليج، وبالذات الكويت. انتقل هولمز الى البصرة ثم عدن التي أسس فيها شركته «مجموعة الشرقية العامة»، التي اهتمت في البداية ببيع الادوية ومن خلال هذه الصيدلية انطلقت الشركة الى مشاريع اكبر. ثم عرض فرانك هولمز على شيخ الكويت التنقيب عن النفط ولكن لم يتم الاتفاق، وبعد فترة تم الاتفاق على حفر أربع آبار للماء وبئر للتنقيب عن النفط. استأجر الميجور فرانك هولمز بيتاً من أحد الكويتيين مواجهاً لساحة الصفاة، وقضى في هذا البيت عاماً كاملاً حفر فيه آبار الماء وحصل منها على قليل من المخزون الجوفي من المياه. أما بئر النفط فقد تأكد له وجود النفط في الكويت بكثرة واحتفظ بالمعلومات لنفسه ولكن لم يبرم معه الشيخ أي اتفاق. وبعد سنوات قليلة استطاع الميجور هولمز أن يكون لاعباً مهماً في المفاوضات الأميركية – الإنكليزية من جانب والكويتية من جانب آخر. كان من أوائل المشاريع لشركة نفط الكويت المكونة من شركة البترول البريطانية وشركة الخليج الأميركية حفر بئرين قريبتين من ساحة الصفاة لاستغلال النفط الموجود، وتم حفر البئرين في البحر مقابل مستشفى الأميري، وما زالت هناك حتى اليوم منصة أسمنتية مقابل المستشفى تقرب من الساحل مسافة 100 متر يمكن للجميع رؤيتها. هذا الحقل لم يتم إنتاجه بأمر من الأمير حينذاك. لمن يرغب في مزيد من القراءة عليه اقتناء كتاب «الجائزة» لمؤلفه دانيال يرقين، حيث يعتبر الكتاب مرجعاً مهماً في تاريخ النفط في العالم أجمع وسيجد معلومات أوفر عن الكويت والمنطقة وهو كتاب يجمع ما بين التوثيق والتأليف. المهندس أحمد راشد العربيد @aarbeed
مشاركة :