تونس على صفيح ساخن

  • 5/25/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

شهدت عدة مدن تونسية، خاصة في المناطق الجنوبية الحدودية، سواء مع الجزائر أو ليبيا، خلال الأسابيع الماضية، موجة من الاحتجاجات الواسعة ذات المطالب الاجتماعية والاقتصادية، المتمثلة فـي تقليص الوظائف وضعف الاستثمارات والتي تعكس في جوهرها أبعاداً سياسية، على نحو يشبه «ثورات البراكين» التي ما إن تهدأ منطقة حتى تشتعل منطقة جغرافية أخرى، الأمر الذي جعلها- أي تلك الاحتجاجات- أشبه بالملف المضغوط الذي يتعين على حكومة يوسف الشاهد مواجهته بالجملة وليس بالتجزئة. قوبل رئيس الحكومة التونسية أثناء زيارته لتطاوين في الجنوب للتفاوض مع المحتجين بهتافات تطالبه بالرحيل، وهو ما يعيد إلى الأذهان الدعوات التي برزت خلال الحراك العربي، خاصة من مهده في تونس حيث انطلقت ثورة الياسمين بشعار محدد وهو «ارحل»، الذي سرعان ما تلقفته قوى الاحتجاج والثورة في القاهرة وصنعاء ودمشق وطرابلس، وفقا لما يطلق عليه في أدبيات النظم المقارنة «أثر المحاكاة» أو «نظرية النفاذية».إن هناك مجموعة من العوامل التي دفعت نحو ازدياد الحراك الشعبي والسخط المجتمعي في تونس، على النحو التالي:1- معالجة الفجوة التنموية المناطقية، خاصة بين المناطق الساحلية الغنية والمناطق الحدودية الفقيرة المهمشة، والمطالبة بنصيب من الثروة الطبيعية. فقد اعتصم محتجون في مدينة تطاوين، القريبة من الحدود الليبية، وهددوا بإغلاق الطرق المؤدية لحقول النفط والغاز والتي تستخدمها شركتا «أو. إم. في» النمساوية و«إيني» الإيطالية، ويطالبون بتخصيص نسبة 70 بالمئة من الوظائف بالشركات البترولية لسكان الولاية، و20 بالمئة من عوائد النفط لتنمية المنطقة.وهنا تساءل الرئيس التونسي السبسي «ماذا عندها تونس؟» وأجاب موجهاً حديثه لقوى الاحتجاج «عندنا الفوسفات وقليل من الغاز والبترول إن عطلتم إنتاج مواردنا القليلة فأين سنذهب؟»، حيث إن تونس خسرت خلال الأعوام الخمسة الماضية خمسة مليارات دينار (أي 2,5 مليار دولار) بسبب الإضراب وتعطيل إنتاج الفوسفات بمنطقة الحوض المنجمي في ولاية قفصة التي تقف في وسط غرب البلاد.2 - عرقلة تمرير قانون المصالحة الاقتصادية: شهدت الفترة الماضية تظاهر قادة المعارضة ورموز المجتمع المدني للمصالحة مع المسؤولين السابقين ورجال الأعمال النافذين خلال حكم زين العابدين بن علي (1987-2011) حيث بدأ البرلمان التونسي في نهاية إبريل/نيسان الماضي مناقشة مشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي طرحه الرئيس الباجي قائد السبسي حيث يتيح مشروع القانون لرجال الأعمال رد الأموال المنهوبة بفائدة لا تتجاوز الخمسة بالمئة على أن تجرى تبرئتهم إذا أعادوا ما نهبوه من أموال إلى خزانة الدولة، بما قد يؤدي إلى تحسين مناخ الاستثمار وفقاً للرؤية الحكومية.على الجانب الآخر، تزايدت مؤشرات السخط الشعبي للموافقة المحتملة على هذا القانون، الذي تعتبره قوى المعارضة «تبييض للفساد». فقد رددت شعارات تندد بالفساد ورفض مشروع القانون منها «الشعب يريد إسقاط الفساد» و«مانيش مسامح» و«ما يتعداش» و«لا خوف لا رعب.. الشارع ملك الشعب» لأنه يغذي سياسة الإفلات من العقاب ويهدد العدالة الانتقالية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المشروع أحيل للبرلمان في عام 2015 لكن الرفض المجتمعي أجّل مناقشته مرات عدة. وقد دعا الاتحاد التونسي للشغل إلى التريث في المصادقة على القانون لا سيما مع تزايد حدة الاحتقان الاجتماعي.3- إسقاط الحكومة التونسية الحالية: على الرغم من أن الطابع العام لتلك الاحتجاجات التونسية اقتصادي واجتماعي إلاّ أن البعد السياسي يظل حاضراً حيث تتعالى الأصوات داخل وسائل الإعلام لحل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الشاهد ويعترض قطاع من المحتجين في الساحات العامة على أدائها، خاصة فيما يتعلق بالإجراءات الرامية للحدّ من الإنفاق العام وتسريح الآلاف من موظفي القطاع العام.فقد كشف محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري في تصريحات صحفية في عام 2016 أن الدولة تدفع شهرياً 416,6 مليون دولار رواتب لموظفي القطاع العام الذين يبلغون نحو 800 ألف شخص، وهو ما يضغط على الحكومة لتغطية فاتورة الأجور، بخلاف ضعف نسبة النمو التي لم تزد على 1 بالمئة، وهي مهددة بالارتداد دون ذلك مع موجة الاحتجاجات الأخيرة، بخلاف ارتفاع نسبة الدين الخارجي لما يقارب 62 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة (2011-2016)، وهو ما يرجع أيضاً لتراجع الإنتاج في العديد من القطاعات الحيوية. لذا تطالب تلك الاحتجاجات بتشكيل حكومة كفاءات وطنية.وفيما يتعلق بالتداعيات المحتملة لهذا الحراك المتصاعد، فهو يحمل تأثيرات انتشارية، إذ قد تؤدي تلك الاحتجاجات إلى إرباك الحكومة التونسية الحالية، فضلاً على تزايد المواجهات السياسية والإعلامية بين أذرع حزب نداء تونس الحاكم وحركة تونس الإرادة التي يتزعمها الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي لا سيما في ظل اتهامات للأخيرة بدعم وتأجيج الاحتجاجات لإسقاط الحكومة.كما تؤدي تلك الاحتجاجات إلى إلحاق أضرار بالاقتصاد التونسي، لا سيما بعد مؤشرات تعافي السياحة في أعقاب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد، فضلاً على عودة إنتاج الفوسفات إلى مساره المعتاد بعد أن تسببت احتجاجات تقليص الإنتاج على مدى عدة سنوات. وقد يؤدي ذلك إلى انتعاش اقتصادات التهريب خاصة للوقود والأسلحة، خصوصاً في البلدات الجنوبية قرب الحدود الجزائرية والليبية.أما فيما يخص السياسات الحكومية، قد قررت الحكومة التونسية تمديد قانون الطوارئ لمدة شهر، على الرغم من تحسن الوضع الأمني نسبيًا، لكنه مقتضيات الضرورة لمقاومة الإرهاب، وفقاً لما أعلنه الناطق باسم رئاسة الجمهورية رضا بوفزي في 16 مايو/أيار الجاري، على نحو ما فسره بعض المحتجين على أنه يعد تضييقاً على الحريات السياسية. وعين الرئيس السبسي أيضا ولاة جددًا في تطاوين وسوسة وقبلي وتوزر بعد تنامي الاحتجاجات وتفعيل الصلاحيات الإدارية والأمنية المتاحة لهم.وعلى الصعيد الاقتصادي، تم تشكيل مجموعة من اللجان الحكومية، في 19 إبريل الماضي، أطلق عليها اسم «لجان الإصلاحات الكبرى» التي تهدف إلى دفع وتيرة النمو ومقاومة الفساد والتهريب، وضمت هذه اللجان ممثلين عن الأحزاب والمنظمات بما يعكس رؤية تشاركية.علاوة على ذلك تم تكليف الجيش بتأمين المنشآت الحيوية، منذ العاشر من مايو الحالي لحماية مناجم الفوسفات وحقول النفط والغاز، من أي تحركات احتجاجية قد تعطل إنتاجها، وهو ما فسرته بعض الأحزاب والقوى المعارضة بشكل مغاير إذ اعتبرته «عسكرة» لهذه المناطق، وأن دخول الجيش على الخط يهدد بمزيد من الاحتقان، على الرغم من نفي وزير الدفاع التونسي ذلك أمام لجنة الأمن والدفاع بمجلس نواب الشعب في 18 مايو الجاري.وقد حدث تدخل للجيش التونسي لإعادة فتح محطة لضخ النفط في منطقة الكامور بتطاوين في 21 مايو الجاري، بعد قيام محتجين بإغلاقها لمدة يوم واحد.خلاصة القول إنه على الرغم من أن تونس استطاعت إجراء انتخابات حرة ووضعت دستوراً جديداً بما يتجاوز حقبة زين العابدين بن علي، إلاّ أنها ما زالت تواجه تعقيدات شديدة فيما يخص مواجهة التنمية غير المتوازنة بين الأقاليم الجغرافية المختلفة ومعالجة ملف البطالة، خاصة في أوساط المتعلمين الجامعيين وتمرير قانون المصالحة الاقتصادية المتعلق برموز النظام السابق، وهي المحددات التي أسهمت في إشعال ثورة الياسمين منذ أكثر من ست سنوات، وهو ما من شأنه أن يمثل إنذاراً مبكراً للحكومة التونسية. د. محمد عز العرب ** مدير تحرير التقرير الاستراتيجي العربي (مركز الأهرام للدراسات السياسية)

مشاركة :