لا الشتائم ولا الضرب ولا الترهيب ولا التجاهل سيلغي وجود هذه الفتاة ومثيلاتها كثيرات، وربما أكثر مما نتصور في ظل غياب أي متابعة أو إحصائيات، من مجتمعاتنا.العرب لمياء المقدم [نُشر في 2017/05/25، العدد: 10643، ص(21)] لم أصدق عيني وأنا أنظر إلى الصور التي أمامي، ومع ذلك فقد كان علي أن أتحلى بالكثير من الصبر والحكمة والهدوء للرد على صاحبتها. صاحبة الصور تعرض علي علاقة جنسية مثلية وتحاول استمالتي بمجموعة من صورها العارية في مختلف الأوضاع والأشكال. بدأ الأمر على شكل استشارة، فقد كتبت الفتاة ذات الخمسة والعشرين عاما في الأول تستشيرني حول قضايا مختلفة تتعلق بالزواج والحياة الزوجية والمشاكل الجنسية بين الزوجين، وأجبتها في مناسبات متفرقة على أسئلة طارئة، وفي نيتي أن أقدم لها ما أستطيع من نصائح تستفيد منها، ثم شيئا فشيئا بدأ ينتابني شك في ميولاتها. أخبرتني أنها لم تحب رجلا في حياتها، وأنها كانت على علاقة مع صديقة قبل الزواج، وأن زوجها سيطلقها لو عرف بالأمر، وأن هذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها عن هذا الموضوع، وأنها اختارتني لأنني أعيش في الغرب ولأنها تثق بي. والحقيقة أن كلامها صحيح إلى حد ما، فبحكم حياتي في الغرب لأكثر من عقدين فقد تعودت على منظر فتاتين تسيران متشابكتي الأيدي في الشارع، أو رجلين يحتضنان بعضهما البعض في مقهى. ولم أكن أجد في سلوكهما ما يثير الاستغراب فحياة البشر الجنسية ملك لهم وحدهم، وشأن لا يخص غيرهم. ما لم يخطر على بالي أبدا هو أن تعرض علي فتاة علاقة مثلية بهذا الشكل المباشر، وأن ترسل الصور والعبارات الجميلة التي تستميلني بها تماما كما لو أنني طريدة. يجب أن أعترف أن الموقف كان غريبا وصادما أيضا، فالفتاة جميلة ومثقفة إلى حد بعيد، وصورها التي تتوافد على صندوق بريدي الإلكتروني تزداد جرأة ومكاشفة مع الوقت، كما أن عبارات الإغواء والمطاردة في تزايد مستمر. هذه التجربة دعتني بشكل ما إلى التأمل في العلاقات الإنسانية وتشعباتها، فنحن نولد على وضع معين، نستمر عليه مدى حياتنا، دون وقفة حقيقية مع أنفسنا نتساءل فيها: هل نحن فعلا كذلك؟ لم أنفر منها ولم أعاملها بقسوة، وهو ما أراحها وأشعرها بامتنان كبير، خصوصا أنها المرة الأولى التي تفتح فيها قلبها وتتحدث عن ميولاتها، وهي ليست خائفة من أن تحاكم و تهدد بإفشاء سرها. شرحت لها بلين ومحبة كبيرين أن علم النفس الحديث يؤكد أن داخل كل منا ميلا صغيرا تجاه نفس الجنس، يتفاوت من شخص لآخر، غير أنه في حالتي يتناقص إلى حده الأدنى فأنا لا أميل إلى الفتيات، ولا أشعر بانجذاب تجاههن. انقطعت رسائلها فترة، ثم أرسلت تخبرني أنها في علاقة مع إحداهن، واعتذرت عن “ملاحقتها” لي شارحة بأنها تحتاج هذه العلاقات لتستمر، لأن الحياة من دونها تصبح جحيما، في ظل العيش في جلد ليس جلدها وحياة ليست حياتها. أعرف أن كثيرين سيلعنونها، وآخرين سينعتونها بأقذع الصفات وغيرهم سيحمدون الله على أنهم لا يعرفون مثل هذه الأشكال “النجسة”. مثل هذه الردود لن تمنع وجودها بيننا، في بيت ما، في مكان ما، ربما هو أقرب إلينا مما نعتقد. لا الشتائم ولا الضرب ولا الترهيب ولا التجاهل سيلغي وجود هذه الفتاة ومثيلاتها كثيرات، وربما أكثر مما نتصور في ظل غياب أي متابعة أو إحصائيات، من مجتمعاتنا. زوجات وأمهات وصديقات وشقيقات، يعشن بين حياتين متناقضتين وتمزق شزفريني غريب لا يمكن التعويل عليه في بناء مجتمعات سليمة، ولهذا فإن التعاطي مع الحقيقة ومواجهتها والاعتراف بوجودها أفضل دائما، حسب رأيي. كاتبة تونسية مقيمة في هولندالمياء المقدم
مشاركة :