في المرة القادمة عندما يسألني عن حلمي في الحياة وأهم بالرد على النحو التقليدي المعهود بأنه السعادة، أتردد قليلا ثم أقول: أن نكون معا وبصحة جيدة. العربلمياء المقدم [نُشرفي2016/10/13، العدد: 10423، ص(21)] هناك مقولة معروفة للمغني البريطاني الراحل جون لينين يقول فيها إن أمه أخبرته وهو في سن الخامسة أن مفتاح الحياة هو السعادة، وأنه في إحدى المرات سألوه في المدرسة ماذا يريد أن يصبح عندما يكبر فأجاب: أن أكون سعيدا، فأخبروه بأنه لم يفهم السؤال، لكنه رد: وأنتم لم تفهموا الحياة. تذكرني هذه المقولة بحوار روتيني بيني وبين الطفلين يتكرر كل يوم تقريبا حتى صار مملا. كلما سألاني عن هدفي في الحياة قلت: السعادة. أحيانا يحتجان بقولهما: هذا جواب فضفاض. وأحيانا يطرحان السؤال بشكل مراوغ لتفادي هذه الإجابة المكررة فيقولان: ما هي أحلامك بعد السعادة؟ لا أعرف إن كنا نفيد أبناءنا بمثل هذه الإجابات أم نضللهم، ففي الحقيقة نحن لا نجيب بشيء. أن تقول لابنك أن غاية ما يجب أن يسعى إليه في هذه الحياة هو السعادة كأنك تقول له: أنا لا أعرف ما يصلح لك. غير أن أبناءنا يحتاجون منا شيئا آخر أكثر دقة، أكثر أمنا، بملامح واضحة يكونون قادرين على تلمسها، كأن تقول لطفلك: ضع قدمك هنا، هذا هو الطريق إلى السعادة. لكن من منا يعرف طريق السعادة؟ إنها بلا طريق، بلا ملامح، بلا وصفات جاهزة، وهي متحولة متحركة متغيرة، فكيف نمسك بها؟ في أغلب حواراتنا يحاول ابني الصغير أن يضعني في اختبارات عسيرة، تراجيدية تقريبا، ربما ليقول لي: ترين الحياة ليست سهلة كما تخبريننا، وأجوبتها ليست بالبساطة التي تصورينها لنا. سألني مرة ونحن نمشي في الطريق إلى المدرسة: ماذا لو كنا ثلاثتنا في قارب، أنا وأنت وأخي الأكبر، ودخل الماء إلى القارب وكان لزاما عليك أن تضحي بواحد منا نحن الاثنين، من دون أن تلقي بنفسك، وإلا غرق الجميع، بمن تضحين؟ كان ذلك بمثابة السؤال الشكسبيري الذي لا يمكن لأي أم في العالم أن تجيب عليه. ومرة سألني: لو عرفت أن ما بقي من عمري لا يتجاوز خمسة أيام فقط، كيف ستقضين هذه الأيام الخمسة وماذا ستفعلين فيها بالتحديد؟ رغم صعوبة الفخ وعنصر المباغتة، أحاول قدر الإمكان أن أعرف الدافع الذي جعله يطرح أسئلة كهذه وأجيب وفقه، وهي ليست إجابات عفوية للأسف، لكنها ذهنية خالصة، وتستدعي الكثير من التفكير العاجل والاستنفار الكامل للذهن والحواس. في السؤال الأول أراد أن يعرف من هو الأهم بالنسبة إلي، هو أم أخوه؟ فكان الرد أنني على الأرجح سأترك القارب يغرق بالجميع، لأنني مهما حاولت أن أختار لن أفلح أبدا في إلقاء واحد من طفليّ في الماء، فالأمومة لا تفرق بين طفل وآخر. وفي السؤال الثاني أراد أن يعرف، قيمة حياتنا المشتركة وماذا يعنيه أن نكون معا، فكان ردي أنني سآخذه في جولة إلى بلد بعيد، مجهول، لا نعرفه كلانا ونقضي الأيام الخمسة متجولين في عالم جديد مبهر ساحر نتأمل النجوم والبحر والبشر. قلت: ستكون رحلة شبيهة بحياة قصيرة، نقضيها كأنها الأبد. يغادر في الغالب سعيدا مكتفيا بالإجابة. بعد أن يذهب أعيد طرح الأسئلة على نفسي، من أجل إجابة أقل عقلانية هذه المرة، إجابة تشبهني، عاطفية وليست ذهنية، عفوية وليست تربوية، أدور لأيام والأسئلة تدور في ذهني. في النهاية أستسلم لفكرة أن بعض الأسئلة لا تطرح ليجاب عليها، بل لنتأمل فيها. في المرة القادمة عندما يسألني عن حلمي في الحياة وأهم بالرد على النحو التقليدي المعهود بأنه السعادة، أتردد قليلا ثم أقول: أن نكون معا وبصحة جيدة. كاتبة من تونس مقيمة بهولندا لمياء المقدم :: مقالات أخرى لـ لمياء المقدم كيف نجيب على أسئلة أبنائنا, 2016/10/13 تربية التواصل, 2016/10/06 عاد الخريف مجددا, 2016/09/29 نهاية حلم جميل, 2016/09/22 من حق الأبناء أن يديروا حياة صغيرة تخصهم, 2016/09/15 أرشيف الكاتب
مشاركة :