النسخة: الورقية - سعودي كثيرات من الأمهات العاملات اليوم يتحملن نفقاتهن الشخصية، ويشاركن في نفقات الأسرة، إضافة إلى إدارة المنزل وكل ما يتعلق به من كبيرة وصغيرة، وإن توافر سائق وخادمة لمساعدتهن، فالمرأة تهتم بشؤونهما أيضاً. أما بالنسبة للأبناء فهي تتحمل مسؤوليتهم كاملة بكل التزاماتها ومشكلاتها من وقت الولادة وصولاً إلى المدرسة بكل مراحلها. وهي المسؤولة عن الصحة العامة والتعليم والترفيه والتوجيه وكل ما يتعلق بحاجات الصغار دون أية مساعدة أو شراكة حقيقية من الزوج. فهناك نماذج من الرجال تتباهى بأنها «تسمح» لزوجاتها بالعمل، وتعطيها حرية قرارها، وتنادي بحقوق المرأة ومساواتها، لكن هل المساواة تعني أن ألقي بكل الأعباء عليها وأتملص من مسؤولياتي وواجباتي؟ تقول إحداهن: «يتساءل ابني كثيراً إن كان والده يهتم بأمره، لأنه لا يخرج معهم، ولا يسافر دائماً معهم، ولا يلتزم بحضور النشاطات المدرسية التي تتطلب وجود أولياء الأمور، حتى في الاجتماعات العائلية فهو قليل الحضور. ويقارنه بوالد صديقه الذي يرافقه إلى المدرسة، ويلعب معه كرة القدم مرة أسبوعياً، ويعرف كل معلميه، وأصدقائه، ويشاركه في حل مشكلاته...». وتؤكد أنها تقوم بكل واجباتها كأم وبقدر ما تستطيع، لكن ذلك يؤثر عليها يشعرها بالتوتر والقلق من كثرة المسؤوليات وضغوطات الحياة اليومية. حياة هذه السيدة وغيرها أنموذج لما تعاني منه بعض الأسر اليوم وإن لم يكن الكثير منها. فالأم اليوم تخرج للعمل لتؤمن نفسها، وتثبت ذاتها، وتسهم أيضاً في متطلبات أسرتها. وكثير من الآباء ما زالوا يلعبون دور «الممول» فقط، وغيرهم يطالبون بمشاركة زوجاتهم في الأعباء المادية للأسرة أو على الأقل يتوقعون منها ذلك، جاهلين أو متجاهلين دور الأب والزوج بعيداً عن المسؤولية المادية. تقودنا هذه النماذج إلى سؤال مهم عن غياب دور الأب وكيفية تأثير ذلك على شخصيات الأبناء وتكوينهم العقلي والنفسي، وقد خرجت العديد من الدراسات والأبحاث الحديثة التي تحدثت عن أهمية دوره في تطور شخصية الطفل، وقدرته المعرفية، وتحصيله الدراسي، وصحته النفسية وسلوكه الاجتماعي. فالطفل الذي يحظى باهتمام والده ومشاركته في تفاصيل حياته اليومية، يختلف تطوره العاطفي والاجتماعي عن غيره، ويحظى بمهارات اجتماعية وتعليمية أفضل من غيره من الأطفال. إلقاء المسؤولية كاملة على الأم يجعلها متوترة وقلقة ومثقلة بالضغوط النفسية والجسدية فتتحول حياتها إلى روتين قاتل يصعب أن تجد فيه أوقاتاً حقيقية للسعادة واللعب والتواصل مع الأبناء من كثرة المسؤوليات الملقاة على عاتقها، وعدم حصولها على المساعدة المطلوبة من شريكها، ولا على وقت خاص بها تستجمع فيه قواها لتتمكن من القيام بمهامها وهي سعيدة وراضية. فالأم السعيدة في زواجها تكون أماً أفضل وأقل توتراً، أما الأم المثقلة بالضغوط والتي لا تشعر بالرضا والسعادة يكون أبناؤها أكثر عرضة من غيرهم للتعرض للإهمال وسوء المعاملة أو حتى العنف بمختلف أشكاله، كما تذهب بعض الآراء النفسية والاجتماعية. فالعلاقة الإيجابية بين الأب والأم تؤثر على سلوكهما نحو الأبناء وتجعلهما يقدمان أفضل ما عندهما. ولا يمكن أن تكون العلاقة صحية أو إيجابية وهذه الزوجة تشعر أنها وحيدة ومسؤولة عن تنشئة الأبناء والتعامل مع متطلباتهم ومشكلاتهم بمفردها. مشاركة الأب في تربية الأبناء والمهام الأسرية يفترض أن تكون من الأمور البديهية، فهو لا يقدم خدمة أو معروفاً أو مساعدة، وإنما يقوم بواجبه كأب يسهم في تنشئة أبنائه بطريقة سليمة، ويتعامل مع زوجته من منطلق عادل في حياة يتقاسمان فيها الأدوار. فدور الأب لا ينحصر في الإنجاب وتوفير النفقات وإنما يشمل بناء علاقة قوية وسوية مع أبنائه ذكوراً وإناثاً تؤهلهم للحياة بشكل إيجابي. هناك رأي يقول إن المسؤول الأول عن رعاية الطفل، هو الذي يشكل شخصيته، فإن كنت ترغب عزيزي الأب في أن يكون لك دور مؤثر، فلابد أن تشمر عن ساعديك وتنزل للعمل لا أن تراقبهم وتوجههم عن بعد، وعندما تظهر المشكلات تلوم الأم ببساطة: «تربيتك يا هانم»! dgazzaz@gmail.com
مشاركة :