عاداتك اليومية تكشف عن طبيعة شخصيتك

  • 5/26/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مصدر الصورةGetty Images ربما تكشف بعض السلوكيات الفردية لدينا الكثير عن شخصية كل منّا، وتتراوح هذه السلوكيات بين تناول أطعمة كثيرة التوابل على الغداء أو العشاء، أو الغناء خلال الاستحمام. من بين الأسباب التي تُكسِب شخصية المرء أهمية على صعيد التحليل النفسي، أنها تكشف لنا الكثير عن نمط الحياة الذي يعيشه هذا الشخص أو ذاك. فإذا كنت ممن يتمتعون بضميرٍ حيٍ للغاية مثلاً، فهذا يزيد احتمالات أن تنعم بصحة جيدة، وعلاقاتٍ أكثر تناغماً. أما إذا كنت صاحب شخصية انبساطية فيُرجح أن تكون أكثر سعادة، بينما ستواجه مزيداً من المشكلات التي تتعلق بالصحة العقلية إذا كنت من بين الشخصيات التي تعرف بـ "الشخصيات العصابية". في الوقت ذاته، يحقق أصحاب العقول المتفتحة والأفق الواسع مكاسب مالية أعلى. وبطبيعة الحال - وكما هو متوقع - عادة ما يحظى من يتمتعون بشخصيات سهلة وقادرة على التوافق مع من حولها؛ بشعبية واسعة والكثير من الأصدقاء. ولكن شخصياتنا لا تعبر عن طبيعتها فقط في ما نحققه من نجاحٍ وسعادة على المدى البعيد، إذ أنها ترتبط بالأشياء التي نقوم بها بشكلٍ رتيب ويومي. وقد حددت دراسة جديدة نُشرت في دورية "الشخصية والفروق الفردية" العلمية - وبشكل مفصلٍ على نحو غير مسبوق - طبيعة السلوكيات المرتبطة بالأنماط الخمسة الرئيسية للشخصية، التي تحدثنا عنها في السطور السابقة. وقد جاءت نتائج هذه الدراسة مفاجئة بحق. ورغم الإشارة إلى أن أصحاب الشخصيات الانبساطية هم أكثر رغبة في الذهاب إلى الحفلات، وأن أصحاب الضمير اليقظ أقل ميلاً إلى تبني سلوكياتٍ تنطوي على إهمال أو تكاسل، فإنك ربما لم تكن تتوقع أن الأشخاص "الانبساطيين" يحبون كذلك قضاء وقت أطول في الاستحمام وإمتاع أنفسهم داخل المغاطس المليئة بالمياه الساخنة، أو أن من يتسمون بيقظة الضمير يقرأون أيضاً عدداً أقل من الكتب.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption يميل أصحاب الشخصيات الانبساطية إلى رسم وشومٍ على أجسادهم وأعد تلك الدراسة الباحثان بنجامين تشابمان من جامعة روتشستر الأمريكية ولويس غولدبرغ من معهد أوريغون للأبحاث في الولايات المتحدة أيضاً. ورسما الملامح الشخصية لنحو 800 شخص في ولاية أوريغون الأمريكية، كان غالبيتهم من أصحاب البشرة البيضاء، ومتوسط أعمارهم 51 عاماً. وخضع أفراد العينة أولاً إلى اختبارٍ لتحديد طبيعة شخصياتهم، وذلك عبر الإجابة عن أسئلة تستهدف التعرف على مدى قرب أو بعد شخصياتهم عن 100 من الصفات الشخصية المختلفة. وشمل ذلك استخدام خصال مثل: عفيف النفس، عطوف، منظم وأنيق، متقلب المزاج، خالي البال، بشوش وذكي، مولع بالفنون والإبداع. وبعد ذلك، قارن الباحثان نتائج اختبار الشخصية هذا بإجابات أدلى بها أفراد العينة أنفسهم بعد أربع سنوات، وذلك رداً على أسئلة طُرِحت عليهم بشأن مدى إقبالهم على ممارسة 400 من الأنشطة المختلفة على مدى العام السابق لذلك. وتراوحت هذه الأنشطة من القراءة إلى الغناء خلال الاستحمام. وبدا من نتائج الدراسة أن الأنشطة التي يهتم بها أصحاب الشخصيات الانبساطية لا تقتصر على الاستمتاع بغمر أجسادهم في المياه الساخنة في المغاطس فقط، وإنما تتعدى ذلك إلى قضائهم وقتاً أطول في تنظيم الحفلات، واحتساء الشراب في الحانات، ومناقشة طرق جني المال، والحديث في الهاتف خلال القيادة، والقيام بأعمال الزخرفة والديكور، فضلاً عن السعي لاكساب بشرتهم سمرةً عبر الاستلقاء تحت أشعة الشمس. وفي المقابل، أظهرت النتائج أن من يتمتعون بضمير يقظ بشدة، عُرِفوا بتجنب أنشطة متنوعة من بينها تلك التي تنطوي على تسلية بريئة مثل القراءة (وقد تكهن تشابمان وغولدبرغ أن السبب في ذلك يعود إلى أن الكثير من أصحاب الضمائر اليقظة هؤلاء قد يعتبرون أن مثل هذا النشاط ترفٌ لا ينبغي أن يُمارس إلا في أوقات الفراغ). كما بينت نتائج الدراسة أن أصحاب الضمير الحي يتجنبون استخدام ألفاظ القسم في حديثهم، كما لا يُقدِمون على مضغ أقلام الرصاص التي يستخدمونها. أما أفراد العينة الذين بدا أن شخصياتهم تتصف بأنها أكثر سلاسة وتوافقاً مع من حولهم، فقد قالوا إنهم قضوا وقتاً أطول في كي الملابس، واللعب مع الأطفال، وغسيل الصحون. وقد يعود ذلك إلى أن ما يكنونه من دوافع قوية يدفعهم لإبقاء المحيطين بهم سعداء، وهذا يعني تفضيلهم لأداء الأعمال المنزلية، للحيلولة دون أن تسود منازلهم أجواء غير مواتية. والأمر المدهش أيضا أن هؤلاء كانوا أكثر ميلاً للغناء خلال الاستحمام أو قيادة السيارة. في الوقت ذاته، كشفت الدراسة عن أن المصابين بالعصاب ينخرطون بشكل أكبر في أنشطة ترتبط بمساعدتهم على تقليص المحن النفسية التي يعانون منها، مثل تناول المزيد من المهدئات والعقاقير المضادة للاكتئاب. مصدر الصورةGetty ImagesImage caption إذا كنت صاحب عقلية متفتحة وواسع الأفق فستكون أكثر ميلاً لارتياد الأوبرا ومشاهدة عروضها لكنهم اعترفوا في الوقت ذاته بإقدامهم على تصرفاتٍ غير اجتماعية بشكل أكبر، مثل فقدان أعصابهم لمرات أكثر من أقرانهم، أو السخرية من الآخرين، وهي أمورٌ قد تعود إلى أنهم يبذلون جهوداً مضنية للسيطرة على عواطفهم وانفعالاتهم. أما في ما يتعلق بالأشخاص الأكثر تفتحاً وسعة أفق، فإنهم يعتادون تصرفات قد تكون متوقعةً منهم، من قبيل مطالعة الشعر وارتياد دور الأوبرا وتدخين الماريوانا والإبداع الفني. لكن من بين أنشطتهم الاعتيادية التي قد لا يتوقعها الكثيرون، التلفظ بعبارات السباب أمام الآخرين أو تجاههم، أو تناول مأكولات كثيرة التوابل على مائدة الإفطار، أو التجول في أنحاء المنزل وهم عراة. فقد كشفت الدراسة عن أن من اعتلوا قمة الترتيب في فئة الشخصيات الانبساطية، بموجب نتائج اختبارات تحديد نمط الشخصية، مارسوا هذا التصرف الأخير على الأرجح أكثر من 15 مرة خلال فترة البحث، وهو ما يشكل ضعف عدد المرات مقارنة بمن تذيلوا هذه القائمة. واتضح أيضاً أن هؤلاء كانوا أقل اهتماماً بتشجيع فريقٍ رياضي بعينه. وبدت هذه الدراسة مثيرة للإعجاب في ضوء العدد الكبير والمتنوع من الأنشطة التي تناولتها، وذلك رغم أنه لا يزال من الضروري إجراء مزيدٍ من الدراسات للتحقق من أن ثقافات أخرى حول العالم تشهد وجود الصلات ذاتها بين نمط الشخصية والتصرفات التي يُقْدِم عليها المرء. كما أنه لا تزال هناك - بطبيعة الحال - آلافٌ من التصرفات والسلوكيات اليومية الأخرى التي يتعين إجراء دراسات مماثلة بشأنها. وتُضاف نتائج الدراسة الأخيرة إلى ما خَلُصت إليه أبحاثٌ سابقة تناولت العلاقة بين طبيعة الشخصية والسلوكيات التي يُقْدِمُ عليها صاحبها. ونزعت غالبية هذه الأبحاث إلى التركيز على أنشطة محددة بشكل أكبر، أو على خصال معينة لا أكثر ولا أقل. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسات سابقة في هذا المضمار أن من يتحلون بضميرٍ حيٍ للغاية كانوا أكثر ميلاً لارتداء الساعات، وتمشيط شعورهم وتلميع أحذيتهم. وأوضحت تلك الدراسات كذلك أنه كان لدى الانبساطيين وشومٌ أكثر على أجسادهم، وأن الانطوائيين يستخدمون لغةً محددةً على نحو أكبر. أما ذوو الشخصيات السلسة القابلة للتوافق مع الآخرين فكانوا - بحسب تلك الدراسات - أقل حصولاً على مخالفات سرعة السير، وكانوا يتناولون حلوى أكثر. وأظهرت نتائج الدراسات ذاتها أن الأشخاص واسعي الأفق وذوي العقليات المتفتحة كانوا أكثر ولعاً بالخضراوات والفاكهة، وأيضاً بالأفلام السينمائية ذات المستوى الفني المرتفع. من جهة ثانية، تناولت دراساتٌ أخرى سلوكياتٍ تتباين فيما بينها من حيث الوضوح، وترتبط جميعاً بما يُعرف في علم النفس بـ"الثالوث المظلم" للخصال الشخصية، والذي يتألف من النرجسية وتبني مذهب الغاية تبرر الوسيلة "الميكافيللية"، والاعتلال النفسي "السايكوباتية". مصدر الصورةGetty ImagesImage caption قد تشكل إضافة التوابل إلى طعام إفطارك مؤشراً على أنك ذو شخصية منفتحة اجتماعياً فعلى سبيل المثال، أوضحت تلك الدراسات أن من احتلوا قمة قائمة المصابين باعتلال نفسي - وهم من يُعرفون بـ"السايكوباتيين" - لا يميلون فقط للعنف وانتهاج سلوكيات عدوانية وترهيب الآخرين، بل إنهم يُحدقون في أعين من ينظرون إليهم لفترة أطول من المعتاد. ومن المرجح أيضا أن ينزعوا - ومعهم أصحاب مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" أو "الميكافيليين" - إلى المشاركة في ما يُعرف بعمليات "التصيد" على شبكة الإنترنت، وكذلك الاستمتاع بهذه العمليات. ويُعرف "المتصيد على الإنترنت" بأنه شخصٌ يعتاد وضع تعليقات وعبارات مثيرة للجدل على الشبكة العنكبوتية، لا علاقة لها بالموضوع محور النقاش، وذلك بهدف إثارة المشكلات والصراع بين المتصفحين. وكشفت دراسة ثالثة أُجريت مؤخراً عن أنه كلما اتسم المرء بخصال "الثالوث المظلم" هذا بشكل أكبر، زاد وصفه لنفسه بأنه يهوى السهر ليلاً، ويكره الاستيقاظ مبكراً. وهو ما يعني أنهم يستيقظون متأخراً خلال النهار ولا يخلدون للنوم إلا في ساعات متأخرة من الليل. ولعله لن يكون مفاجئاً بالنسبة لك أن تعلم أن النرجسيين يلتقطون صوراً ذاتية لأنفسهم - أو صور "سيلفي"- أكثر من سواهم، وينشرونها أيضاً بمعدلات أكبرٍ من غيرهم. أما النساء اللواتي يَمِلنَ لممارسة الجنس مع الرجال فقط، ممن تبين أنهن يتبعن مذهب "الغاية تبرر الوسيلة" بنسبة أكثر من سواهم، فقد اتضح أنهن ينزعن للتظاهر بالوصول إلى النشوة الجنسية "هزة الجماع"، وذلك بهدف خداع شركائهن في الفراش، أو التأثير فيهم عن عمد. ولا شك في أن هناك جانباً جدياً للدراسات التي تُجرى في هذا المضمار، يتمثل في أن التعرف على مزيد من المعلومات حول السلوكيات اليومية الضارة وغير الصحية المرتبطة بالخصال والأنماط المختلفة للشخصية، يمكن أن يُسهم في تنظيم وتنفيذ جهود وحملات أكثر نجاحاً وتركيزاً للحد من هذه السلوكيات. من ناحية أخرى، تتضمن الأبحاث التي تُجرى بشأن طبيعة أنماط شخصيات البشر - في أغلب الأحيان - إجابة أفراد العينة على استبيانات حول صفاتهم، وهو أمر يأمل الباحثون في أن يتسم فيه المبحوثون بالأمانة والصدق. لكن هذه المشكلة سُتحل إذا اكتشف الباحثون وجود علاقات ارتباط غريبة أو غير متوقعة بشكلٍ كبير بين الخصال الخمس الرئيسية للشخصية وسلوكياتٍ بعينها يُقدم عليها المرء. ففي هذه الحالة، قد يتسنى في يومٍ ما وضع استبيانٍ يطرح أسئلة على الناس بشأن الأنشطة التي ينخرطون فيها، دون أن يدرك هؤلاء أن إجاباتهم تُميط اللثام في واقع الأمر عن طبيعة شخصياتهم. بطبيعة الحال، لا تخلو نتائج الدراسة التي نحن بصددها من جانب طريف ومثيرٍ للتفكير في آن واحد، وهو أنك إذا وُصِمت بأنك لعانٌ كثير السباب، فبوسعك الآن أن تدافع عن هذا المسلك قائلاً إنه لا يشكل سوى مؤشرٍ على كونك واسع الأفق وصاحب عقلية متفتحة. كما قد تجعلك مطالعة النتائج أكثر تسامحاً مع اعتياد شريكك في السكن الغناء خلال الاستحمام. ففي نهاية المطاف، قد تكون مجرد مؤشرٍ آخر على أن لديه/لديها شخصية سلسة قابلة للتوافق مع الآخرين. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future

مشاركة :