يعد اختيار التخصص الجامعي من أصعب القرارات المصيرية التي يتخذها الإنسان طوال حياته، حيث سيرسم التخصص معالم المستقبل العلمي والعملي والاجتماعي للطالب بل حياته كلها، فلابد أن يختار وينتقي بمعايير علمية صحيحة. ولكن بعض الطلاب يواجهون تردداً وحيرة عند اختيارهم التخصص الملائم الذي يحقق طموحاتهم وأهدافهم ويتوافق مع ميولهم الشخصية وقدراتهم العلمية، مما قد يؤدي في النهاية إلى وقوعهم في دوامة سوء اختيار التخصص وتغييرهم للمساق العلمي لكي لا يكون الفشل حليفهم. وفي هذا الصدد، ارتأينا أن نفتح هذا الملف لكي نبحث في المشكلة من جذورها ونكتشف منبتها وأصلها، فقد أجرينا استبياناً إلكترونياً على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بمشاركة 570 طالباً وطالبة ممن حولوا تخصصاتهم الجامعية، فتبين لنا أن نسبة 51 في المئة من الطلبة المحولين نالوا على رغبتهم الأولى عند القبول، بينما نال 49 في المئة رغبتهم الأخرى غير الأولى، فتتعدت الإجابات بين الرغبة الثانية والسابعة وصولاً إلى الرغبة التاسعة. الحيرة بين التفوق والميول وعن هذه النتائج كان لنا لقاء مع الطالبة جمانة القصاب التي نالت رغبتها الأولى منذ البداية، وعلى الرغم من تفوقها في التخصص إلا أنها أبت الاستمرار فيه. وعند سؤالها عن أسباب التحويل، قالت: «بعد التحاقي بعامين في الجامعة ودراسة تخصص البكالوريوس في الحقوق تم افتتاح تخصص البكالوريوس في الفنون والتصميم الغرافيكي، وبناءً على افتتاحه طلبت مباشرةً التحويل وتم قبولي فيه. وعلى الرغم من تفوقي وحبي لتخصص الحقوق إلا أنني أرى أنه ليس بمكاني، لأن شخصيتي مائلة لحب التجربة والإبداع والخلق للأشياء أكثر». وتتابع «على الرغم من الحنق الشديد وسط العائلة لقرار التحويل إلا أنني حولت ولم يساورني أي شعور بالندم كما أشعر بالاعتزاز لأنني أقدمت على خطوة بهذه الجرأة». وعلى السياق ذاته، تحدثنا زهراء فيصل، عن تجربتها مع التحويل فتقول: «حصلت على بعثة دراسية لتخصص البكالريوس في المحاسبة من قبل وزارة التربية والتعليم كرغبة أولى، لكن بعد عامين تركت التخصص وذلك لعدة أسباب منها، أنها لم تكن رغبتي لذاتي إنما هي رغبة أهلي كما أنني التحقت بالتخصص لأن جميع صديقاتي التحقن به». وتضيف زهراء «إنني لا أجد نفسي في المستقبل أعمل في بنك مصرفي للتعامل مع الأموال فقط، إنما أريد التعامل مع الناس لخدمتهم ومساعدتهم، فحولت تخصصي إلى البكالريوس في علم الاجتماع - علم نفس». الجرأة لتحقيق الحلم وتروي لنا الطالبة (ز.م) قصتها الفريدة مع التحويل، فتقول كنت قد اخترت تخصص البكالوريوس في (الأدب إنجليزي - ترجمة) بناءً على رغبة والدتي التي كانت ترى في ابنتها حلمها الذي لم تستطع تحقيقه، وهو أن تكون معلمة، ولبثت فيه لمدة عامين ولكن لم أجد نفسي فيه فقررت تحويل تخصصي إلى البكالوريوس في الإعلام دون علمها أوعلم أهلي بذلك وأنا الآن أمضي في السنة الثانية فيه. وتواصل «لا أعتقد بل أجزم بأن قرار التحويل هو القرار الأكثر صواباً الذي اتخذته في حياتي، لأن الإعلام هو الحلم الذي كنت أبنيه منذ صغري، حيث لم أتجاوز الثانية عشرة من عمري حينما اكتشفت ميولي الصحافية في المدرسة». وأضافت «على كل إنسان يرى نفسه في مكان آخرغير ذلك الذي تخصص فيه أن لا يكمله لكي لا تضيع حياته دون شيء يذكر سوى أنه قد حصل على شهادة، لأنه حتماً سيبدع في التخصص الذي يجد نفسه فيه». الميول طريق لتحقيق النجاح أرجعت الطالبة بتول الحلاي، سبب تحويلها من تخصص البكالوريوس في نظم المعلومات (IS) إلى تخصص البكالوريوس في التربية الرياضية: إلى أن «الجامعة أعطتها الرغبة السادسة التي لا تميل إليها، حيث إنها كانت تلاقي صعوبة كبيرة في تلقي المعلومات كما أن تحصيلها العلمي كان متدنياً وعلى النقيض من ذلك عندما حولت إلى التخصص الذي يتلاءم مع ميولها الشخصية والعلمية فإنها حققت درجات عالية إضافة إلى الراحة النفسية». وأكدت أنها حاولت تحويل التخصص منذ البداية وفي كل مرة كانت تقابل بالرفض، حتى تم قبولها في المحاولة الرابعة، ولكن بعدما خسرت سنتين من حياتها وكأنها بدأت من خط البداية. وكذلك هو الحال مع الطالبة ساجدة العريبي، التي كانت تود المحافظة على البعثة التي لم تكن رغبتها على أمل أنها ستلائمها، ولكنها لم تستطع المواصلة في تخصص البكالوريوس في الهندسة المدنية بسبب الصعوبات التي واجهتها إضافة إلى عدم التوافق مع ميولها ودرجاتها المتدنية، وعلى العكس من ذلك عندما حولت إلى تخصص البكالوريوس في التصميم الداخلي الذي يتلاءم مع ميولها وقدراتها، فإنها حققت درجات عالية حتى استطاعت بلوغ التفوق». من 2009 إلى 2017 ويروي جعفر حسن علي، تجربته المميزة مع التحويل فيقول: «كانت رغبتي الأولى هي البكالوريوس في المحاسبة ولكن الجامعة أعطتني تخصص البكالوريوس في نظم المعلومات (BIS)، ففي البداية حاولت التأقلم مع التخصص ولكن بحكم عدم رغبتي ومعرفتي فيه تدنى معدلي لدرجة الوصول للطرد، فقررت التحويل إلى تخصص البكالوريوس في الإعلام بحكم أن لدي ميولاً إعلامية كالتصوير إضافة إلى المشاركات الكتابية». ويواصل «بسبب أن معدلي كان أقل من الـ 2.0 كانت قوانين الجامعة حينها لا تقبل التحويل، ولكن اكتشفت أن طلبة التطبيقي «الدبلوم» عندما يحرزون معدل 3 في أول فصل لهم في التخصص يستطيعون التحويل إلى تخصص البكالوريوس الذي يختارونه، فاتجهت إلى دراسة الدبلوم فحققت معدل 3.5، وبعدها مباشرة حولت إلى تخصص الإعلام». التوعية المبكرة بداية ترى استاذة علم النفس أماني الشيراوي بجامعة البحرين، أن هناك مشكلة بالنسبة للإرشاد المهني في المدارس فهو عادة ما يبدأ في المرحلة الثانوية وفي الحقيقة هو أساس عملية الاختيار ولابد أن يبدأ من المرحلة الابتدائية، ومن المفترض أن الطالب عندما يقبل على المرحلة الثانوية يكون على دارية بالمجال الذي يميل إليه، كما لابد أن يكون هناك اختبار لقدرات الطالب لميوله واهتمامته لكي يتوجه الطالب لتخصصه بناءً عليها». وتضيف: «فعملية اتخاذ القرار ستكون صعبة إذا كان يمارسها الطالب لأول مرة في حياته، ولمساعدة الطالب في عملية الاختيار للتخصص الذي يتلاءم مع ميوله وقدراته واهتماماته، يجب أن نعلم الطالب كيف يكون واعياً بذاته وقدراته وميوله وماذا يحب وماذا يكره وماذا يفضل وما يستطيع أن يقدمه، فعملية اتخاذ القرار مرتبطة بهذا الوعي الذي يدركه الطالب عن نفسه وإمكانياته، فعملية الوعي إذا ما كانت موجودة سيقع الطالب في إشكاليات عملية التحويل من تخصص إلى آخر». في حين أرجع أستاذ الصحافة أشرف محمد صالح في جامعة البحرين، وجود هذه المشكلة إلى سوء الاختيار لأسباب شكلية أو مظهرية أو اجتماعية بعيدة تماماً عن العلم والعمل والتخصص، كأن يدخل الطالب إلى قسم الهندسة مع أنه في قرارة نفسه لا يحب الهندسة، أو لسبب إرضاء الوالدين أو بسبب اتباع الأصدقاء أو الأقارب، وجميعها أسباب لا تمت للواقع بصلة، وبالتالي يكتشف الطالب بعد سنة أو سنتين أنه لا يجد نفسه في هذا التخصص فيلجأ إلى تحويل تخصصه». حلول للمشكلة المدرب زكريا إبراهيم، يرى أن هذا الأمر يتكرر عند الطلبة إذا لم يحسنوا الاختيار منذ البداية أو إذا تأخر الطالب في اختياره للتخصص الجامعي، فالتحويل عادةً ما يكون بسبب تدني بعض الدرجات في المواد أو يكتشف أنه اختار هذا التخصص بسبب رفقة أصحابه أو رغبة ولي أمره أو لأي سبب لا يتعلق به مباشرة». ويتابع أن «في التحويل جانب جيد طالما اكتشف الطالب أن هذا التخصص لا يميل إليه أو أنه إلى حدٍ ما صعب أو أنه ليس له أفق مستقبلي في الوظيفة، وغيّر في السنة الأولى أو الثانية أفضل من أن يدرس أربع أو خمس سنوات وهو يعرف منذ البداية أنه لا أفق مفتوحٌ أمامه». ويتفق المدرب زكريا إبراهيم مع الطبيبة أماني الشيراوي، ويقول: إن «لحل هذه المشكلة لابد أن يكون اختيار التخصص الجامعي في سن مبكرة منذ الابتدائية وإذا لم يحدث ففي الإعدادية فإذا كان متأخراً إذن يختار التخصص في السنة الثانوية الأولى، بالإضافة إلى سؤال الخبراء أوالكبار أو الجامعيين أو أصحاب المهن ومتابعة سوق العمل وماذا يحتاج؟ فكل هذه الأمور تيسر على الطالب الاختيار المناسب لتخصصه». التحويل خدمة لصالح الطالب ترى أستاذة المالتميديا أماني الحلواجي بجامعة البحرين: أن «التحويل كإجراء خدمة تقدمها الجامعة للطالب لكي تستطيع استيعاب تغيير قراره أثناء دراسته الجامعية في أنه يدرس تخصصاً آخر، والطالب يستفيد من هذه الخدمة لكي يستطيع أن يحقق ما يتمناه من أهداف دراسية وأهداف مهنية مستقبلاً باختيار تخصص يتناسب مع ميوله». وتتابع: أن «هناك الكثير من الطلبة المحولين يكونون ممتازين وقد يتفوقون على الطلبة الذين دخلوا التخصص مباشرةً، ولكن ليست هذه قاعدة فكثير من المحولين يكونون غير متناسبين مع التخصص أو مستوى الأداء الأكاديمي لديهم منخفض، وبالتالي هناك عينة سيئة وعينة جيدة من المحولين».
مشاركة :