أين "الفساد" في تعدد الجهات الرقابية؟

  • 5/29/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

طالب أحد أعضاء مجلس الشورى بأن يتولى المجلس "المبادرة إلى تبنّي مشروعٍ لإنشاء نظام شامل للشأن الرقابي في المملكة، يوحِّد تلك الأجهزة في جهاز واحد"، حيث إن تعدد الجهات الرقابية "في ذاتها تفتح ثغرات الفساد الإداري، هذا إن لم تكن بنفسها ضرباً من الفساد الإداري"!. وهناك من يقول "ما أكثر ما تتعدد أجهزة الرقابة والتفتيش، ومع ذلك فإن كل ألوان الفساد الإداري تكاد تكون موجودة، وربما كانت في ازدياد، وكأنه لا يوجد حتى جهاز واحد للرقابة، وبالتالي فإن تعدد أجهزة الرقابة قد يكون مظهراً من مظاهر التضخم البيروقراطي". وبناءً على ما سبق، فإني أتساءل: هل هناك إشكالية في تعدد الجهات الرقابية؟ وهل هناك بالفعل ازدواجية فيما بينها؟ وهل هذه الازدواجية أدّت إلى وجود ثغرات ومنافذ للفساد الإداري؟ أم أن الجهات الرقابية نفسها تعاني من ضعف إداري وعدم وضوح الرؤية بالنسبة لها؟. تحدثت في مقالات سابقة عن طبيعة العمل الرقابي في ديوان المراقبة العامة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة"، وكذلك هيئة الرقابة والتحقيق ووزارة المالية، وذكرت بأنه لا توجد ازدواجية بين هذه الجهات من الناحية النظرية والتنظيمية، خاصة بعد انتقال نشاط الرقابة المالية من هيئة الرقابة والتحقيق إلى ديوان المراقبة. حيث إن ديوان المراقبة العامة مسؤول عن الرقابة المالية اللاحقة وكذلك الرقابة على الأداء الحكومي من خلال تقييم كفاءة وفاعلية واقتصادية الأنشطة والبرامج الحكومية، وهيئة الرقابة والتحقيق تمثل النيابة الإدارية التي تقوم بدور المدعي العام في ديوان المظالم بخصوص المخالفات المالية والإدارية، والمباحث الإدارية يتمثل دورها في التحري عن الجرائم المالية (الشرطة الإدارية)، وهكذا. وبالتالي فإن تعدد الجهات الرقابية أمر طبيعي، بل ومطلوب أيضاً، وبخصوص الازدواجية بينها، فقد نجد ذلك على أرض الواقع فعلاً، وسبب هذه الازدواجية يعود إلى أمرين، الأول/ طبيعة العمل الرقابي نفسه، فقد تجد "نزاهة" على سبيل المثال حالة فساد مالي سببها وجود ثغرات وضعف في أنظمة الرقابة الداخلية، وتقييم هذه الأنظمة من مهام ديوان المراقبة العامة، والعكس فقد يجد الديوان من خلال ممارسات اختصاصاته حالات فساد، وهذا النوع من الازدواجية له أثر إيجابي على أداء الجهات الحكومية وفي عملية الإصلاح الإداري. أما السبب الثاني/ فقد يكون في عدم وضوح الرؤية بالنسبة للجهات الرقابية وعدم التنسيق بينها، فتمارس المهام نفسها من قبل الجهات الرقابية وهذا النوع من الازدواجية له أثر سلبي، حيث يؤدي إلى إرباك الجهات الحكومية وتضاعف تكلفة الرقابة بالإضافة إلى ضعف النتائج الرقابية بشكل عام. وعلى هذا الأساس، فإن اقتراح ضم الجهات الرقابية في جهاز واحد غير مجدٍ عملياً، ويصعب تطبيقه، والمشكلة الحقيقية تتمثل في أداء الجهات الرقابية نفسها والتي يفترض تسليط الضوء عليها. فبعض الجهات الرقابية تتذرع بوجود صعوبات تواجهها مثل ضعف الإمكانات البشرية والمادية، وعدم الاستقلال المالي والإداري، وضعف التعاون من قبل الجهات الحكومية، أو تقادم أنظمتها ولوائحها التنفيذية، وهذا يعني أن هذه الصعوبات قد أثرت بالسلب على أداء مهماتها الرقابية، والملفت للنظر أن هذه العوائق تتشابه إلى حد كبير مع عوائق بعض الجهات الحكومية التنفيذية المشمولة بالرقابة، فهي تطالب أيضاً بالاستقلال المالي والإداري وضعف التعاون مع الجهات الأخرى ذات العلاقة وربما كانت هذه العوائق تبريراً لسوء الخدمة أو الفشل في تحقيق الأهداف، وبالتالي قد ينطبق ذلك على بعض الجهات الرقابية نفسها.. هذا من جانب. ومن جانب آخر، يقول أحد علماء الإدارة ما نصه: "الأجهزة الرقابية هي جزء من البيروقراطية.. وقد تلتزم بنصوص القواعد والأنظمة وتأخذ بحذافيرها في قضايا تتعلق بالمستضعفين من البيروقراطيين.. ولا تستطيع أن تلمس لمسا قضايا تتعلق بكبراء البيروقراطيين.. وربما حاولت هي أيضاً أن تؤدي دوراً في التعتيم على مثل هذه القضايا أو إعطائها المشروعية، بعد تغيير في لونها، وتغيير في النصوص اللائحية والنظامية، خصوصاً وإن كانت لأطراف فيها مصلحة". وعليه، قد تعاني بعض الجهات الرقابية من أعباء البيروقراطية، وليس المقصود بالبيروقراطية هنا خضوع هذه الجهات لنظام الخدمة المدنية، وإنما المقصود هنا إدارة العملية الرقابية بأسلوب قديم والتركيز على الإجراءات الإدارية البحتة وإهمال الأهداف والنتائج، فعلى سبيل المثال قد يشطب تقرير رقابي برمته لأنه وردت فيه كلمات مثل (تقييم) المشروع بدلاً من (تقويم) المشروع، وكلمة (على الأقل) بدلاً من كلمة (في الأقل)، فينصرف الوقت كله في الشطب والحذف والتعديل!، ناهيك عن تركيز الرقابة على أمور ومواضيع هامشية ليست لها أولوية ولا أهمية نسبية، علاوةً على تصيّد الأخطاء الصغيرة وربما تلفيقها. بالإضافة إلى ما سبق، فربما نجد أوجه الفساد المالي والإداري في بعض الجهات الرقابية فهي ليست بمنأى عن ذلك، خاصةً إذا كانت تدار بشكل بيروقراطي كما ذكر آنفاً، ولكن الفساد هنا يكون أكبر وأخطر، لأنه إذا فسدت الرقابة فسد كل شيء معها. ولهذا قد نجد تقارير أو ملاحظات رقابية روتينية ومتكررة من عام إلى آخر، وليست لها أهمية تذكر، أو تقارير مضللة غير مهنية وفاقدة للمصداقية، فتكون مجرّد عبارات إنشائية هدفها تضخيم المنجزات كبعض الجهات الحكومية الأخرى. ولهذا، كان من الأجدر والأفضل من المطالبة بتوحيد الجهات الرقابية في جهاز واحد هو النظر في أداء الجهات الرقابية نفسها، ودراسة ملاحظاتها وتقاريرها ومقارنتها بالسنوات الماضية، وكذلك مقارنتها بالمعايير الدولية والمهنية، وقياس أثرها الفعلي في عملية الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد، وهذا ما نصت عليه الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، حيث تضمنت "حث الهيئات المهنية والأكاديمية كالأطباء والمحامين والمهندسين والمحاسبين على إبداء مرئياتهم حول الأنظمة (الرقابية والمالية والإدارية)، وتقديم مقترحاتهم حيال تطويرها وتحديثها".

مشاركة :