إعداد: محمد فتحي على الرغم من ذكرى وفاته في مثل هذا اليوم من عام 1873، فإن أفكار رفاعة الطهطاوي لا تزال تتلألأ في سماء الفكر المصري والعربي حتى يومنا هذا. يمثل رفاعة الطهطاوي أحد الأعمدة الأساسية التي قامت عليها حركة الفكر والتنوير في العصر الحديث في مصر. لم يكن رائد النهضة المصرية الحديثة جاوز عامه الخامس والعشرين، حين وجد نفسه عام 1826 إماماً للبعثة العلمية التي أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا، وغيرت الوجه الثقافي لمصر وأدخلتها عصر التنوير، إلى جانب نخبة من رجالات العلم في بلده. وُلد الطهطاوي عام 1801، بمدينة طهطا بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، ونشأ في عائلة تضم عدداً من القضاة ورجال الدين، فتلقى تعليماً جيداً وحفظ القرآن الكريم، وحينما توفي والده رعاه أخواله ولقي منهم اهتماماً كبيراً. التحق الطهطاوي وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر، حيث درس الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف، وغيرها من العلوم. خدم طهطاوي بعدها كإمام في الجيش المصري عام 1824. بدأت رحلته الحقيقية والتي حولت حياته مع سفره خارج مصر لأول مرة عام 1826 إلى فرنسا كإمام لبعثة تضم أربعين طالباً أرسلها محمد علي باشا لدراسة اللغات والعلوم الأوروبية الحديثة وكان عمره حينها 24 عاماً. في سنة 1832عاد إلى مصر وكانت قد سبقته إلى محمد علي تقارير تفوقه وامتيازه في مجال الترجمة، فكانت أولى وظائفه مترجماً بمدرسة الطب، ثم مترجماً للعلوم الهندسية والفنون العسكرية. لدى الطهطاوي العديد من المؤلفات والترجمات في مختلف العلوم وعلى رأسها التاريخ والأدب والمسرحيات والسيرة النبوية والتربية والتعليم والقانون والتراث وغيرها، ومن مؤلفاته في التاريخ (أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر، وتوثيق بني إسماعِيل)، وفي التربية والتعليم «مباهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية»، و«المرشد الأمين للبنات والبنين»، وفي السيرة النبوية «نهاية الإيجاز في تاريخ ساكن الحجاز»، ومن مؤلفاته أيضاً «القول السديد في الاجتهاد والتجديد»، و«تعريب القانون المدني الفرنساوى»، و«مغامرات تليماك»، و«قلائد المفاخر»، و«المعادن النافعة».يمثل كتاب «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» باكورة أعماله، حينما كان في البعثة بفرنسا، فهذا الكتاب يعد أوفى مصدر مباشر لدراسة البعثة التعليمية المصرية التي أُرسلت إلى باريس، حيث وثق فيه طهطاوي رحلته إلى فرنسا، ووضع صورة عن كافة الأحوال الاجتماعية والعلمية وغيرها عن باريس وفرنسا، ويحوي الكتاب معلومات تاريخية وجغرافية وسياسية واجتماعية، فقد كان رفاعة الطهطاوي يشيد بما يعجبة وينتقد ما لا يعجبه، ويعقد المقارنات بين أحوال فرنسا وأحوال مصر التي ينبغي إصلاحها.تجلت ريادة الطهطاوي في شتى المجالات، ففي عام 1835 افتتح «مدرسة الترجمة» التي تعد أول مدرسة للغات في مصر، وعُرفت لاحقاً ب «مدرسة الألسن»، كما كان صاحب فضل أثناء إشرافه على جريدة الوقائع المصرية التي صدرت عام 1824، حيث جعل الأخبار المصرية المادة الأساسية بدلاً من التركية، وكان أول من أحيا المقال السياسي عبر افتتاحيته في الجريدة. مر الطهطاوي بعدد من العقبات في ظل حكم الخديو عباس، حيث تم نقله إلى السودان، إلّا أنه واصل جهوده الثقافية والتنويرية هناك، إلى أن عاد إلى مصر بعد 4 سنوات مع تولي الحكم الخديو سعيد الذي أسند إليه عدة مناصب تربوية، فتولى نظارة المدرسة الحربية التي أنشأها الوالي الجديد لتخريج ضباط أركان حرب الجيش عام 1856. ومع تولي الخديو إسماعيل الحكم استمر الطهطاوي في العمل حتى آخر عقد من عمره في الإشراف على مكاتب التعليم، وأصدر أقدم مجلات العالم العربي الثقافية «روضة المدارس» عام 1870.
مشاركة :