كان المفهوم السائد في مجتمعات الخليج، أنه كلما زاد الرفاه، قل انخراط الفرد في الشأن العام والخدمة المجتمعية، وانصرف الناس عن العمل التطوعي أو الانخراط فيه أو تقدير رموزه. كما كان من الملاحظ أن الشباب هم الأقل إقبالاً على الانخراط في عمل الجمعيات التطوعية من جيل آبائهم أو معرفة وإدراك لأهمية العمل الاجتماعي لخير المجتمع ككل. كان ذلك هذا هو الاعتقاد السائد قبل أن تفصح احتفالية «صناع الأمل في العالم العربي» عن مفهوم جديد للعمل التطوعي خاصة بين الشباب. تسليط الضوء على رموز العمل الإغاثي والتطوعي في العالم العربي لم يعط الشباب أملاً وتفاؤلاً بالمستقبل بل سلط الضوء على مفهوم جديد للعمل التطوعي. لم يعد التطوع هو تقديم المال فقط بل التطوع الأهم هو تقديم الوقت وتسخير المهارات لخدمة البشر ككل. لعقود طويلة ظل مفهوم التطوع هو تقديم المال لخدمة العمل الخيري أو الدعوي أو الإغاثي. وقد اعتبر الفرد بأن ذلك هو واجب ديني، حيث كان العمل الخيري مرتبطاً بالفقر أو الحاجة المادية. عندما جاءت مؤسسات الدولة الرسمية والإغاثية في بدايات الاتحاد قل الاهتمام بهذا الجانب من قبل الفرد حيث تولت مؤسسات الدولة هذه المهمة، وكان الشباب الأقل ارتباطاً بالعمل التطوعي كون العمل في جمعيات النفع العام عملاً كلاسيكياً لا يخرج عن تقديم الدعم المادي والمحاضرات التوعوية، الأمر الذي خلق فجوة بين تفكير الجيل المخضرم وجيل الشباب. قصرت مناهجنا التعليمية في الماضي في تقديم رموز العمل الاجتماعي أو الاحتفاء بهم، كما قصر الإعلام في تسليط الضوء على الخدمة التطوعية وأشكالها أو الاحتفاء برموزها بشكل لائق. هذا الوضع تغير نتيجة للمتغيرات الكثيرة التي طالت مجتمعنا. فقد تنبه المجتمع إلى ضرورة وجود مجتمع مدني يشارك فيه الفرد بفعالية وكفاءة الأمر الذي ينعكس على الطرفين. ظهرت دعوات عديدة تدعو إلى التوعية بالعمل الاجتماعي لما له من أهمية كبرى في إثراء مهارات الفرد، وخاصة الشباب، وصقل خبراتهم وربطهم بقضايا المجتمع. هكذا في السنوات الفائتة وجدنا تجاوباً إعلامياً وتربوياً كبيراً لهذه الدعوات. من جانب آخر فقد لبى شباب الإمارات هذه الدعوة وأثبتوا أنهم يملكون من الوعي والطاقات الخلاقة ما يمكنهم من القيام بالعمل التطوعي الذي يعبر عن طاقاتهم ويخرج مكامن القدرات عندهم. لقد عبروا عن مشاركتهم في الشأن العام عن طريق تطوعهم ليس فقط في المناسبات الكبرى التي تقام في الدولة، بل من خلال مؤسسات الإغاثة التي تعمل في الخارج. سلط الإعلام الضوء على قدرات بعض الشباب ومواهبهم الخلاقة. فريق هنا يعملون في العمل الإغاثي وفريق هناك يبنون بيوتاً لمساعدة المحتاجين وفريق ثالث يقدمون الخدمة الطبية ويداوون عيون البشر. هذا العمل الذي قام به الشباب أبهر المجتمع ككل، وهو في حد ذاته يمثل فارقاً كبيراً بين ما قدمه الآباء وما يقدمه الأبناء. الفرق يكمن في توفر الموارد اللازمة التي جعلت الشباب يعملون خارج الصندوق الذي تعود عليه الناس. وهم بما لديهم من قدرات وطاقات وقدرة على الابتكار خرجوا عن نطاق المألوف في عمل الخير. لقد نجحت التربية الأسرية والمناهج المدرسية والتوعية الإعلامية في خلق جيل جديد من الأفراد قادرين على عمل الخير وإغاثة الملهوف وتقديم المساعدة في إطار جديد وغير مألوف. لقد نجحت برامج دولة الإمارات المختلفة ابتداء من الخدمة الوطنية إلى التوعية بأهمية العمل التطوعي والاحتفاء الرسمي برموزه إلى احتواء طاقة الشباب وتحويلها إلى طاقة إيجابية يستفيد منها المجتمع المحلي والعالمي. كما نجحت الدولة في توفير الأطر القانونية التي تكفل للفرد المشاركة في الشأن العام دون تفرقة أو تمييز اعتماداً على الجنس أو المعتقد.
مشاركة :