الذي في القدر يطلعه الملاس - عبدالله بن بخيت

  • 5/31/2014
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

مزق الطلاب الكتب. ثمة جريمة ارتكبت أو أن هناك انحرافاً خطيراً طرأ على الثقافة الوطنية التعليمية. بحثت عن الحادثة، شاهدتها في اليوتيوب، ما شاهدته بالنسبة لي عادي. قد تكون ظاهرة خطيرة عند الإخوة المواطنين والكتاب المثقفين الذين تلقوا تعليمهم الابتدائي والمتوسط والثانوي في سويسرا، أما نحن الذين قدر علينا أن ندرس في مدارس المملكة فلا يوجد شيء جديد. أتذكر أول وأهم شيء ننجزه بعد أن ننهي امتحان المادة تمزيق الكتاب وشتم المدرس وبالصراخ نغشش الطلبة الذي تخلفوا في قاعات الامتحان. لا أنس أبداً ذلك الحدث التاريخي. بعد أن أنهينا اختبار الشهادة الابتدائية في مدرسة الجزائر الابتدائية بشارع السويلم. قررنا التوجه إلى شارع العطايف وإلى مدرسة سبيكة لكي نقوم بواجب الشكر لآبائنا المدرسين وأن نلقي نظرة وداع حانية على ذلك المبنى العريق الذي قضينا فيه أحلى أيام طفولتنا. لا أتذكر كيف ومن بدأ الهجوم. انقضضنا على مدرستنا في مظاهرة لعن وشتم كتعبير عن الامتنان وإعلان رحيلنا الحزين. لن نعود إليك يا مدرسة سبيكة بعد اليوم. والأهم من ذلك أن أساتذتنا كانوا ديموقراطيين. تحملوا مظاهراتنا برحابة صدر ليبرالية. فبالغ بعضنا في التعبير وانهالوا على نوافذ المدرسة بالحجارة. ما فعله أبناؤنا البررة اليوم ليس إلا ميراث عريق. ألسنا من يطالبهم الالتزام بعاداتنا وتقاليدنا العريقة. حبنا للمدرسة متأصل فينا. بدأ بمفهوم الكتاتيب واستمر حتى الآن رغم المظاهر الخداعة. عناصر التعليم الأساسية ثلاثة: الكتاب والقلم والخيزرانة أو الفلكة.. كان الآباء يقرون هذا المبدأ ويشجعون عليه ويسلمون أطفالهم للمدرسة بإعلانه ودعمه. يقف مع ابنه الصغير أمام مكتب المدير أو المراقب وهو يقول بكل ابتهاج لنا العظام ولكم اللحم. هذا شعار التعليم في المملكة منذ الأزل. هل تغير شيء. لا أتذكر أن طالباً سلم من الضرب في المدرسة، ولا أتذكر أن مدرساً لم يتلق الرد المناسب. علينا أن نفخر أن فلسفة التعليم تقوم على الأخذ والعطاء. هذا يبط هذا في الفصل وذاك يكسر سيارته في الطلعة. هذا ما يسميه الخبراء التعليم التفاعلي. تناغم بين طرفي التعليم لا ينقطع جيلاً بعد جيل. مشكلتنا ليست مع الطلبة الذين مزقوا الكتب.. مشكلتنا مع كتابنا الذين تلقوا تعليمهم في سويسرا، لم يدركوا أن لكل أمة فلسفتها التعليمية. هل المطلوب أن نتخلى عن فلسفة خذ وهات اللاحمة بين المدرس والطالب.. نلغي هذا التفاعل المميز ونستورد أنظمة تغريبية؟. في السنوات الأخيرة تشابه العرس والمأتم في حياتنا، هكذا نردد. علينا أيضا أن نقول إن المدرسة والسجن واحد. أقل سور مدرسة طوله ثلاثة أمتار وعلى بابه فراش برتبة جنرال. تصاميم مدارس البنات أقرب إلى مساكن الأشباح في أوروبا العصور الوسطى. أسوار وحديد وتعتيم ومدخل يفيض على الجنبين كفوهة متاهة. حاول أن تشاهد واحدة مما يسمى باصات الأمين. في الصباح الباكر تأخذ البنات إلى المدرسة، وبعد الظهر يمكن الاستفادة منها في نقل السجناء إلى المحكمة. لن تميزها عن فانات مصلحة السجون إلا بالألوان القبيحة التي تلطخ جنباتها.. باختصار الذي في القدر يطلعه الملاس.

مشاركة :