ما فعلته الإمارة الخليجية يثبت أن مطبخها الذي جرى إعداده عقائديا لم يكن ملائما للخروج بالمنطقة من مشكلاتها.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/05/29، العدد: 10647، ص(8)] الطبخة القطرية فسدت. مَن أفسدها؟ يُقال أن أطرافا خارجية مدت يدها لكي تلعب بمقادير المواد بحيث كانت النتائج غير ما توقعه الطباخ ففسدت الطبخة. ولكن هل كان ذلك الطباخ يعمل في إطار الفلكلور الغذائي المحلي؟ منذ أن غادرت قطر مكانها عضوا في مجلس التعاون الخليجي، متوهمة أن حجمها الجغرافي لن يقف عائقا بينها وبين احتلال مكانة تهبها موقعا يؤهلها للوقوف إلى جانب الدول الكبرى، فإن انفصالا عظيما حدث بينها وبين الواقع. وهو ما لم يكن الخليجيون يتمنون وقوعه. واقعيا فإن قطر دولة مهمة حين تنسجم مع مقومات وشروط ومتطلبات موقعها عضوا في مجلس التعاون الخليجي. تلك المنظومة السياسية التي تواجه تحديات حقيقية بسبب موقعها الجغرافي الخطير وبسبب ما تمتلكه من ثروات طبيعية. لو أن قطر استجابت لقدرها لكانت شعوب عربية كثيرة قد تمتعت بثمار الربيع العربي الحقيقية. ما فعلته قطر في غير بلد عربي أنها انحرفت بمسار ذلك الربيع من خلال دعمها لجماعات لا يمكن إخفاء علاقتها بالإرهاب. في مصر وتونس وليبيا كانت فضائح قطر مدوية. وإذا ما كانت تلك الدول قد نجت من التدخل القطري في شؤونها الداخلية بعد أن لُدغت فإن ما شهدته سوريا وما تشهده حتى اليوم يؤكد أن الدولة الخليجية الصغيرة لا تملك أن تهب أحدا شيئا من الحظ السعيد. سيظل السوريون إلى زمن غير منظور غارقين في مستنقع بؤس أسطوري. حين شهدت سنة 2014 اندلاع أزمة بين قطر ودول خليجية أخرى لم يكن ما وقع لسوريا من كوارث هو السبب. كان السبب يكمن في موقف قطر الداعم لجماعة الإخوان المسلمين التي صنفت من قبل تلك الدول باعتبارها جماعة إرهابية. لم تكن قطر تشارك أخواتها الموقف ذاته وهو من حقها، غير أن ما كانت الدول الخليجية المعترضة على الموقف القطري على يقين منه أن قطر كانت تعمل على توفير الكثير من أسباب الحياة والاستمرار للجماعة المتشددة التي خسرت الكثير من مواقعها. كان من الممكن النظر إلى مسألة إيواء الزعامات الإخوانية من القرضاوي إلى خالد مشعل مرورا بحسن الترابي من جانب إنساني لولا ما حدث في مصر بعد سقوط محمد مرسي وفي تونس إبان حكم حركة النهضة وفي ليبيا وسط صراع الميليشيات المتطرفة. لقد دخلت قطر طرفا في أحداث ما كان لها أن تتورط فيها لولا ذلك النوع الهلامي من الالتزام العقائدي. ولكن أليس مبالغا فيه أن تفاجئ الدوحة العالم بحماسات عقائدية لا تنسجم مع ما عُرف عن الخليجيين من توجهات عملية أقيمت على أساس صلح فريد من نوعه بين مفهومي السوق المعاصر والتقاليد المحلية؟ في القمم الثلاث التي شهدتها الرياض لم يكن حضور قطر لافتا، ولم يكن مطلوبا منها أن تقوم بذلك. فاللغة العاصفة جمعت إرهابيْن في سلة واحدة. إرهاب ترعاه إيران وجد في العراق واليمن ملعبا له، وإرهاب مقابل كانت جماعات متطرفة تمارسه في سوريا وليبيا. وما كان مقبولا من أحد أن يفاضل بين الإرهابيْن، أيهما أقل ضررا. قطر لم تفكر إلا في ما تمليه عليها أجندتها. وهي أجندة تحتوي على الكثير من التناقضات. كأن تمد يدا إلى حزب الله، فيما تمد الأخرى إلى جبهة النصرة في سوريا. ناهيك أن قناتها الفضائية “الجزيرة” كانت في وقت سابق قد وقفت إلى جانب ضحايا الغزو الأميركي للعراق، فيما كانت الطائرات الأميركية تنطلق من قاعدة العديد القطرية. حاولت قطر (ولا تزال تحاول) أن تضع منتقديها بين قوسين. هناك من يقول إنها ما كان في إمكانها أن تدعم الجماعات الإرهابية لولا حصولها على الضوء الأميركي الأخضر، وهناك من يرى فيها إمارة إخوانية خالصة. ما فعلته الإمارة الخليجية يثبت أن مطبخها الذي جرى إعداده عقائديا لم يكن ملائما للخروج بالمنطقة من مشكلاتها. مطبخها الإسلامي لم يكن مقنعا لأحد. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :