لمَ لا تنصت قطر إلى الآخرين؟ بقلم: فاروق يوسف

  • 7/4/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

صارت الدولة في خدمة جماعة كانت تحوم حولها شبهة استعمال العنف ضد خصومها إذا لم نذهب إلى القول إنها جماعة إرهابية، بل هي المدرسة التي تتلمذ فيها كل إرهابيي عصرنا التعيس.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/07/04، العدد: 10681، ص(8)] قطر أخطأت في تقديراتها. أما كان عليها أن تعترف بذلك؟ أخطأت قطر حين ارتدت عباءة الإخوان وهو ما جعلها مضطرة للدفاع عن تاريخهم الذي لا يمكن فصله عن ممارسة العنف في أي حال من الأحوال ومن غير الحاجة إلى الدخول في متاهة التفريق بين الجهاد والإرهاب. معرفتها بتاريخ الإخوان الإرهابي لم تمنعها من القبول بهم طرفا مشاركا في الحياة السياسية في العالم العربي. ليس هناك أكثر وضوحا من تلك القناعة التي وضعتها قطر قيد التنفيذ. لذلك تبدو اليوم أشبه بمَن يخفي قاتلا. من الثابت أن دول المقاطعة لا تريد إلحاق الضرر بقطر حين تطالبها بتسليم ذلك القاتل أو على الأقل التخلي عن حمايته. صوت العقل يقول “إن دولة صغيرة مثل قطر لن يكون في إمكانها تحمل تبعات مشكلة كبيرة مثل الإخوان” فلمَ التبس الأمر على القطريين؟ أعتقد أن الموقف القطري مرتبط بمشروع سياسي صار ضاغطا بما ينطوي عليه من التزامات عقائدية. بهذا المعنى فإن الدوحة لم توفر المأوى الآمن للإخوان الهاربين من مصر فحسب، بل إن العقيدة التي تحكم نظامها السياسي هي عقيدة إخوانية أيضا. هناك فرق بين أن تتعاطف مع الإخوان أو أن تكون إخوانيا. الحماسة القطرية لحكم الإخوان في مصر وضعت الأمور في نصابها الحقيقي. لقد تحققت يومها واحدة من أهم ركائز المشروع القطري. أما حين انهارت تلك الركيزة بطرد الإخوان من السلطة فقد كان رد الفعل القطري لافتا كما لو أن ما حدث في مصر يمس السيادة القطرية. بمرور الوقت أصبح واضحا أن الأمر يتخطى الشعارات المرفوعة. هناك مكيدة إخوانية صارت قطر جزءا منها. وهو ما لم يكن أحد يتمناه للدولة الخليجية الصاعدة بوعود التحديث. وكما يبدو فإن القيادة القطرية كانت تخطط لطرح نموذجها المتميز. وهو ما يعني أنها لا تسعى إلى أن تحذو حذو دولة الإمارات المجاورة لها. فالدوحة لن تكون دبي أخرى كما تمنى سكانها. لقد تبنت الدوحة مشروعا عقائديا عابرا للدول. طموح كبير غير أنه بدا قابلا للتحقق في ظل الفوضى التي شهدها العالم العربي بعد أحداث الربيع العربي المريبة. لقد خُيّل للدوحة يومها أن سقوط النظام السياسي العربي القديم سيكون فرصتها لإقامة نظام سياسي إقليمي جديد، يكون الإخوان أدواته التنفيذية فيما تناط قيادته بها. أما كان ممكنا كبح جماح الدوحة يومها؟ هنا يكمن خطأ الآخرين الاستراتيجي. لقد كانت تصرفات قطر تشير إلى أنها وضعت إمكانيات الدولة في خدمة جماعة الإخوان وفروعها. وهو ما يعني توفير غطاء آمن لهم وحماية مفتوحة ومرونة في الحركة وانسيابية للأموال لا يمكن أن تتمتع بها جماعات أو أحزاب اعتمادا على قدرتها الذاتية. صارت الدولة في خدمة جماعة كانت تحوم حولها شبهة استعمال العنف ضد خصومها إذا لم نذهب إلى القول إنها جماعة إرهابية، بل هي المدرسة التي تتلمذ فيها كل إرهابيي عصرنا التعيس. لقد أنفقت قطر المليارات من الدولارات في إنشاء ثقب ظلامي، كان مخططا له أن يبتلع العالم العربي اتساقا مع حماستها لأفكار ظلاميين من نوع حسن الترابي ويوسف القرضاوي وخالد مشعل وآخرين جعلت منهم رموزا لتميزها وفرادتها. أما كان الأجدى أن تُنفق تلك الأموال على نشر التعليم ومحاربة الفقر والارتقاء بالقطاع الصحي في قطر وفي عدد من البلدان العربية؟ غير أن تلك الأمنية تتعارض كليا مع النهج الذي اتبعته جماعة الإخوان المسلمين في نشر دعوتها القائمة على الجهل والتطبيع مع الفقر والقبول بالمرض اختبارا قدريا لا مفر منه. كان مؤسفا أن تسقط قطر وهي الدولة المنفتحة على العالم باستثماراتها الواسعة في فخ جماعة معادية للآخر المختلف. جماعة هي صنيعة عزلتها عن العالم وضحية سوء فهم تاريخي دفع بها إلى تصنيف معارضيها كفارا. قطر لا تنصت إلى الآخرين لأن ضجيج الإخوان أصم أذنيها. وهو أمر لا يسر أحدا. كاتب عراقيفاروق يوسف

مشاركة :