يكاد الناس يتفقون على فضل من ينفع الناس ويكون في حاجتهم ويلبي رغباتهم. غير أن قلة التقدير، أحيانا، وكثرة طلب الناس لمن اعتادوا منه نفعا، وعدم وقوف البعض معه عند أزماته، ولو كانت نفسية، لا مادية، يجعله يضعف عن التصدي لهذه المهمة العظيمة التي تتحول مع الوقت، إلى متعة من متع هذا الشخص. ما تحدثت عنه في السابق، هو شعور ينتاب المعطي، أو المعتاد على العطاء في لحظات ضعف نفسية، تجعله يُحس بأنه مُنتهك، فالجميع يأخذ منه، دون أن يعطيه أحد، وأحياناً لا تحتاج الأزمة لتتشكل في ذهن المعطي، إلى أكثر من عدم تقدير الآخذين لخيره، لهذا الخير، أو اعتبارهم أن نفع المعطي، واجبٌ لا فضل منه، وهو ما يحبط معنويات صاحب العطاء للحظات، ويؤثر فيه سلباً! صحيح أن المعطي يصل إلى مرحلة راقية من العطاء، يستمتع فيها بالمنح، كما عبر عنها زهير بن أبي سلمى يوم قال: أخي ثِقَةٍ لا تُتْلِفُ الخَمرُ مالَهُ ولكنّهُ قد يُهْلِكُ المالَ نائِلُهْ تَرَاهُ إذا ما جِئْتَهُ مُتَهَلّلاً كأنّكَ تُعطيهِ الذي أنتَ سائِلُهْ وذي نَسَبٍ نَاءٍ بَعيدٍ وَصَلْتَهُ بمالٍ وما يَدري بأنّكَ واصِلُهْ أقوى الناس شكيمة، وأثبتهم عزماً، وأكثرهم قوة، وأعظمهم عزماً، يمرون بمراحل ضعف، في مسيرتهم، قد تصل للوهن، ومن واجب الناس الذين يرون عناصر العطاء هذه تتعرض لهكذا أزمات، أن يشدوا عضدهم، ويقفوا إلى جانبهم، فأهل العطاء قناديل مضيئة، في ظلام دامس. إنهم ضياء، يبدد ظلمة الحاجات، وبلسم يطبب جراح العوز، وقوة تردم ضعف الجوع. فيا أيها المعطي، ألا يكفيك لتشرأب فخراً، أنك أحب الناس لله، كما في الحديث النبوي: "أحب الناس إلى الله، أنفعهم إلى الله"؟! ويا أيها المانح، ألا يمتعك أن ما تفعله هو أحب الأعمال إلى الله، كما في تتمة الحديث: "أحب الأعمال إلى الله، سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعاً، أو تقضي عنه ديناً". أيها المُطعم، أما يسرك أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ فإجابه: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ". يا أيها المنفق، أما وقد تجاوزت أزمة الإنفاق، فاستمتع بجزالة فضل العطاء، ففي الحديث: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبحُ العِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً"!
مشاركة :