أوضح خبير في أسواق المال أن من أبرز الأخطاء التي يقع فيها المتعاملون في الأسواق المالية هي "الإدارة المالية"، مبيناً أن المتعاملين في السوق تعلموا في دراستهم للأسواق المالية كيفية الدخول والخروج عن طريق أدوات التحليل الفني، وهي أدوات إحصائية احتمالية مهما بلغت من دقة فإنها تظل احصائية احتمالية، لكن المعضلة الرئيسة: هل يدخل بجميع رأسماله أم بجزء منه؟ وقال خبير أسواق المال الدكتور صديّق البلوشي، في ندوة نُظمت الليلة الماضية في فندق "كراون الفهد" بمدينة الرياض أمس الأول، وحضرها نخبة من المهتمين بأسواق المال: إن غالبية المتاجرين أو المستثمرين يدخل في صفقة واحدة بكل رأسماله، ثم يتفاجأ بالنزول، ويتوقف ولا يستطيع اتخاذ أي قرار. وأضاف: إذا أخذ السوق ترنداً صاعداً أو هابطاً فإن المتعامل يفقد الربحية المتوفرة لديه، فمثلاً لو دخل في سهم سابك على 200 ريال، ثم بدأ السهم ينزل إلى 100 ريال فهذه خسارة 50% فما استفاد شيئاً، وليس لديه مال آخر يعوّض به أو يدخل في صفقات معاكسة لكي يخرج أو يعوض خسارته، فيظل رأس المال يعاني خسائر متراكمة، ويصبح لدى المتداول نوع من الشلل، ولا يستطيع أن يتحكم في المحفظة، وهذه تُعتبر نقطة رئيسة في أغلب الأخطاء التي يرتكبها أغلب المتداولين والمساهمين والمتاجرين في السوق. وتابع أن أكثر من 99% من المتعاملين في السوق المالية السعودية لا يعرفون معنى الإدارة المالية؟ وقال: هذا صحيح، ومن خلال التجارب التي نراها ليست فقط لدى المتداولين، بل نجدها في صناديق الاستثمار، فبعض صناديق الاستثمار عام 2006 حققت أرباحاً خيالية، لكن عندما بدأت أسواق المال تنخفض في فبراير 2006 انخفاضات حادة لم نشاهد صندوقاً استثمارياً يسير مع المؤشر، كلها انتهت بخسائر متراكمة، فمثلاً كانت قيمة الوحدة 10 ريالات، وهبطت إلى خمسة ريالات، وإلى ريالين، وريال واحد، على الرغم من أن السوق صار له ارتداد، وهنا نسأل أين كانت المشكلة؟ هل إدارة المخاطر غير موجودة؟ هل الإدارة المالية غير موجودة؟ وأكمل: نحن نطرح تساؤلاً؛ لأنه من خلال المشاهدة عندما نرى القوائم المالية لهذه الصناديق نجد أنها فعلاً لم تحقق شيئاً، ففي 2014 عندما بدأت أسعار البترول تنخفض انخفضت القيمة السوقية لهذه الصناديق انخفاضات حادة، وهنا يحق لنا أن نتساءل: أين الإدارة المالية؟ أين إدارة المخاطر؟ هذا ليس اتهاماً، لكنه تساؤل يجوز طرحه. وقال: هذا ما نلاحظه في أغلب المواقع الاجتماعية، فالناس دائماً تشتكي من الخسائر المتراكمة. وتساءل: ما سبب الخسائر المتراكمة ما دام علم التحليل الفني وأدوات التحليل الفني انتشرت انتشاراً كبيراً؟ وأجاب: إذن هناك خلل، ما هو هذا الخلل؟ وزاد: نجد أن الخلل هو أن الإدارة المالية شبه مفقودة، وهذا يسبب خسارة كبيرة جداً، وحتى لو كبرنا الدائرة، وذهبنا إلى الشركات والمصانع والمحالّ التجارية إلى آخره، فإنه إذا كانت الشركة أو المؤسسة التجارية تعمل منذ عشرين عاماً مثلاً وتحقق أرباحاً، وبمجرد رفع الدعم مُنيت بخسارة، فهذا يشير إلى أن هناك خللاً، ذلك أن الطبيعي ألا تُمنى الشركة بخسارة. وقال: ربما يأتي أحدهم ويقول إن الشركة هذه لديها ضعف في المبيعات، أو أن هناك ضعفاً في القوة الشرائية لدى الناس، وهنا يحق لنا أن نقول لهم: أين الإدارة المالية؟ وأين إدارة المخاطر؟ لماذا لم يكن هناك بدائل؟ ألم يضع هذا التاجر في باله أن هناك بدائل يستطيع أن ينوّع من خلالها حتى يتفادى الخسارة. وعرج الدكتور صديّق البلوشي للحديث عن الإدارة المالية في الشركات، فقال إنه مع الأسف الإدارة المالية في الشركات المساهمة موكلة إلى غير المتخصصين. وأضاف: هذا ليس في الشركات المساهمة فقط، بل ربما تكون معضلة عامة. وأجاب: المعضلة أن الإدارة المالية مختلفة تماماً عن المحاسبة، فالمحاسبة علم، والإدارة المالية علم آخر مختلف تماماً عن المحاسبة. وأكمل: المحاسبة دورها في عملية ضبط الدفاتر وضبط وارد الأموال وصادرها، أما الإدارة المالية فعملها مختلف تماماً، فهي معنية بعملية التوازن في التجارة، التوازن في البضاعة، تنمية الاستثمارات، توازن في إيجاد قنوات جديدة للاستثمار، تنمية الاحتياطيات، وهذا للأسف مفقود في أغلب الشركات لدينا، ولو كبّرنا الدائرة ربما نقول لا يوجد كيان تجاري عندنا إلا ويعاني من عدم وجود "مدير مالي"، وعندما نتحدث عن مدير مالي فلا بد أن نخصّص معنى كلمة مدير مالي. وقال: المدير المالي هدفه داخل أي شركة هو إيجاد توازن داخل الشركة؛ فهو يساهم في تخفيض الخسائر، ويساهم في تعظيم الأرباح، وهو يساهم في إيجاد أسواق جديدة لنفس المنتج الذي يباع، كما أنه يستطيع أن يرى حركة الأسواق ويتكيف معها ويتحوط لها، أما المحاسب فدوره في قبض الأموال، لكنك عندما تلج أي شركة وتجد أن المدير المالي هو محاسب في الأصل، فهنا تكون الإشكالية؛ لأنه لا يقوم بوظيفته، وهذا ملاحظ بشكل كبير، ليس في الشركات المساهمة فحسب بل وفي الشركات العامة. ومضى إلى القول: نحن نبحث دوماً عن المدير المالي، وعن تخصص المدير المالي الذي يُعتبر شبه نادر عندنا، وهناك عدد قليل جداً من الناس ولجوا هذا التخصص. وفيما يتصل بالسوق المالي السعودي قال الدكتور "صديّق" إن السوق المالي السعودي يعد سوقاً ضعيفاً، مفصلاً أسباب هذا الضعف من وجهة نظره. وأضاف: ما نعنيه بضعف السوق المالية ليس من حيث القوة الشرائية أو القوة المالية، نحن نتكلم عن الكفاءة، وقد ركزنا على مسألة كفاءة الأسواق المالية. وِأشار إلى أن السوق المالي السعودي، وهو من الأسواق الناشئة، يدخل في عداد الأسواق ذات الكفاءة الضعيفة. وفصّل الدكتور "صديّق" في ذلك فقال: نميز هنا أن ضعف كفاءة السوق المالية عندنا في أن هناك عدداً كبيراً جداً من الأفراد المتداولين في السوق، فمعدل تداول الأفراد في السوق قد يتجاوز نسبة الـ 90% مقابل أن نسبة تداول الشركات المالية لا يتعدى عشرة في المائة فعمل 90% بشكل أو بآخر بالطريقة العشوائية أو طريقة اتباع القطيع، هذا يضعف كفاءة السوق، فنجد مثلاً أن شركة ما تحقق أرباحاً ونتائج مالية جيدة، وفي المقابل نلاحظ أن سهمها يهبط هبوطاً شديداً، وهنا يحق لنا أن نتساءل لماذا؟ ذلك أن المفترض أن الشركة ما دامت تحقق أرباحاً وتوزع فالمساهمين يشترون في هذه الشركة؛ لأنها تحقق لهم أرباحاً، لكن عندما ينزل السهم فنحن هنا نقول إن هناك خللاً، فأين الخلل؟ وللأسف القاعدة المنتشرة عند الناس وهي: اشتر عند الإشاعة وبِعْ عند الخبر، قاعدة عشوائية وليست حقيقية ولا علمية، مبيناً أن القاعدة العلمية هي أني لا أدخل في شركة ما لم تحقق أرباحاً.
مشاركة :