«الشرق الأوسط» في مهرجان كان (الأخيرة): مهرجان «كان» يطفئ أنوار دورته السبعين بجدل

  • 5/30/2017
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

الدورة التي انتهت قبل يومين حملت الرقم 70 مثل وشم لا يمكن أن يترك صاحبه. في قانون الحياة، كل علامة فارقة قد تُذكر في المستقبل بالخير أو بسواه. وبالنسبة إلى «كان» سوف تذكر الدورة السبعون «بسواه» أكثر مما ستذكر بالخير. من باب المقارنة لا أكثر، فإن نظرة على الأفلام التي شاركت في دورة ذات رقم مميز، وهي الدورة الخمسين سنة 1997، تفصح عن فارق كبير ليس فقط بين الاختيارات التي مثلت رقعة أوسع من البلدان والتيارات والأساليب، بل أيضاً بين النوعيات التي توفرت. في ذلك العام تم عرض 19 فيلماً في المسابقة حملها إلى الجمهور الكبير كل من المصري يوسف شاهين (عبر فيلمه «المصير») والأفريقي إدريس ودراأوغو («كيني وأدامز») والأميركي آنغ لي («عاصفة الثلج») والنمساوي ميشيل هنيكه («ألعاب غريبة») والكوري كار - واي وونغ («سعداء معاً») وماثيو كازوفيتز («قتلة») والإيطالي ماركو بيلوكيوس («ناظر هامبورغ») ومواطنه فرانشسكو روزي («العهد») والكندي أتوم إيغويان («الأبد العذب») من بين أخرى والبريطاني مايكل ونتربوتوم («مرحباً في سراييفو»). والفائزون كانوا «الأبد العذب» الذي خرج بالسعفة الذهبية وشون بن عن «محبوبة جداً» كأفضل ممثل وكاثي بورك كأفضل ممثلة عن الفيلم البريطاني الجيد «لا شيء في الفم» (Nil By Mouth) وفاز بجائزة الإخراج كار - واي وونغ عن «سعداء معاً». وتم منح جائزتين تقديرتين للمناسبة واحدة باسم «سعفة السعف» وحصل عليها إنغمار برغمن والثانية بمناسبة الدورة الـخمسين وذهبت إلى يوسف شاهين. * يوم تالٍ بلا خيال رغم كل هذا التميّـز الذي صاحب تلك الدورة لم تكن بالضرورة أفضل الدورات. سنجد قبلها وبعدها دورات أفضل لكنها على الأقل وضعت أمام المشاهدين أفلاماً أكثر جودة وأكثر تنوعاً في مصادرها وأكثر اختلافاً في أساليب التعبير وصياغاته. مشكلة الدورة الأخيرة ليست في أن الوميض غاب بغياب بعض المخرجين مثل يوسف شاهين وفرانشسكو روزي، اللذين ما عادا موجودين على سطح هذه الأرض، بل لأن معظم العائدين إلى الصرح الكبير عادوا بأفلام أضعف من تلك التي أنجزوها من قبل، كما أن معظم الجدد لم تكن أفلامهم بمصاف يتيح لها أن تعرض في هذا المهرجان. الواضح أنه، إذا لم تستبعد لجنة الاختيار أفلاماً أفضل قصداً أو من غير قصد، فإن ما امتثل أمامها من أعمال كان بالتأكيد هذه النخبة التي بدأت واعدة ثم أخذ مستواها يتدحرج على البساط الأحمر مثل كرة أفلتت وأخذت تنحدر. كانت هناك استماتة، لا ريب، في استكمال العدة في الوقت المناسب وعند خط النهاية لدرجة أن المهرجان استقبل فيلم لين رامزي «لم تكن هنا حقاً» قبل أن يتسنى لها تركيب أسماء العاملين في نهاية الفيلم. أفلام الدورة التي أثمرت عن فوز فيلم يبدأ، كالمهرجان، أفضل مما ينتهي عنوانه «المربع» للسويدي روبن أوستلاند، بالسعفة الذهبية احتوت، تحديداً على خمسة أفلام لم يكن لها شغل في المسابقة من بينها فيلم كوري عنوانه «اليوم التالي» لسانغ - سو هونغ كناية عن حكاية حول معضلة عاطفية يقوم أبطالها الأربعة بحلها وهم جالسون إما في بيت أو في مطاعم. فيلم يخلو من أي شخصيات أخرى ولو عابرة ومن أي تنوع في حركة الكاميرا ومن أي خيال عادة ما يستطيع المخرج الموهوب توفيره في الموضوع فإن لم يكن ففي الشكل فإن لم يكن فبالحوار وذلك أضعف الإيمان. أربعة من المخرجين الذين عادوا إلى مهرجان «كان» في هذه الدورة قدموا أفلاماً عادية هي ليست في مصاف أفلامهم السابقة ومن بينهم النمساوي الذي ربح السعفة مرتين ميشيل هنيكه. هذه المرّة وجدنا فيلمه «نهاية سعيدة» يشتغل على كبس الأزرار ذاتها التي استخدمها في أفلامه السابقة. لا تجديد ولا نفاذ صوب طموح أعلى. الفرنسي ميشيل أزانافيسكوز رمى فيلمه الجديد «المهيب» رمياً أمامنا. طرحه كما لو كان يريد التخلص منه في محفل عالمي. يدور عن فترة من حياة المخرج جان - لوك غودار، لكنه لا يحيط تلك الفترة بأي نقد أو تحليل بل يوفرها كمادة ترفيهية علماً بأنها لم ترفه عن أحد. الثالث هو الأميركي تود هاينز في دراما عنونها «ووندرسترك» تبعث على الملل المحزن لمخرج عرف سابقاً كيف يستأثر بالاهتمام طوال الوقت وافقت أو لم توافق على اختياراته من المواضيع. يعرض حكايتين متباعدتين ستتعارضان مثل صدام قطارين بفعل خطأ إلكتروني. إلى أن يحدث هذا الصدام وبعد أن يحدث فإن لا شيء يمكن أن ينقذ ضحاياه من المشاهدين. * والختام كذلك الرابع هو صوفيا كوبولا. اسم والدها فرنسيس فورد كوبولا ما زال يخيم على أعمالها في كل مرّة على طريقة أيكون هذا الشبل من ذاك الأسد؟ صوفيا لا تستطيع أن تستحوذ على اهتمام المشاهد طويلاً عندما تختار لشخصياتها في «المنخدعات» أشكالاً من السلوكيات والتصرفات والقليل جداً من الدوافع. كذلك فإن حياكتها للدراما هي بالقفز عن المعضلات وليس عبر توثيق الأواصر. حاولت طوال العرض أن ألغي فيلم «المخدوع» لدونالد سيغال (وبذلك يكون فيلم كوبولا هو إعادة صنع) الذي حققه سنة 1971 من بطولة كلينت إيستوود من البال، لكن ذلك الفيلم (على هفواته) كان بمثابة جبل لم يصل الفيلم الجديد إلى منتصفه. أن تفوز بجائزة أفضل مخرج وإخراجها ليس أفضل إخراج حتى من بين المعروض هنا، بدا للكثيرين رمية طائشة كان عليها أن تصيب مخرجاً آخر سواها. مباشرة بعد عرض فيلم «بلا حب» (الذي خرج بأضعف الجوائز وهي جائزة «لجنة التحكيم») للمخرج الروسي أندريه زفنتسييف في ثاني يوم المهرجان، ساد الشعور بأن الدورة قد تكون بالفعل جيدة. بصرف النظر عن فيلم الافتتاح («أشباح إسماعيل» الذي لم يكن مشتركا في المسابقة) فإن البداية الممثلة بفيلم زفنتسييف كانت جيدة. مع توالي الأفلام اللاحقة وجد المرء نفسه (وهذا المرء ليس استثناء) مقيد إلى «بلا حب» لأن لا فيلم آخر استطاع أن يصل لمستواه. وبعرض فيلم ختام هو بدوره من أسوأ ما صنعه مخرج معروف، وهو فيلم «مبني عن قصة حقيقية» لرومان بولانسكي (خارج المسابقة أيضاً)، تبدّى كم أن المهرجان عانى بالفعل واستمات بحثاً عما يستحق أو ربما آثر من يعرف على من لا يعرف فجاءت النتيجة الإجمالية على هذا النحو. جائزة لجنة التحكيم الخاصة إذ ذهبت إلى «120 ضربة في الثانية» أمادت بكل ما تبقى من أمل في أن تعلن لجنة التحكيم، برئاسة بدرو ألمادوفار، فوز عمل تلتقي عليه نصف الآراء على الأقل. وإذ نضع كل ما سبق في الحسبان وننظر إلى ما ورد من أفلام في قسم «نصف شهر المخرجين» (لا ينتمي إلى إدارة المهرجان لكنه يـقام بجانبة) أو بعض ما عرض في «أسبوع النقاد»، تتضح الصورة أكثر: الأفضلية لذوي الأسماء الكبيرة حتى وإن جاءت أفلامهم صغيرة.

مشاركة :