شرع «داعش» في استهداف المسيحيين المصريين منذ عام 2011، في عمليات متتالية لضرب الوحدة الوطنية، وإخراج الأقباط من المعادلة السياسية، واستفزاز الشباب منهم، بما يقودهم إلى الخروج على الدولة. ويبـــدو أن خطة الإرهابيين تلك بدأت تؤتـــي أكلها. فبعدما عمد تنظيم «ولاية سيــناء» الموالي لـ «داعش» إلى قتل المسيحيين ودفعهم إلى ترك منازلهم وممتـــلكاتهم، أطلت علامات استفهام عــدة في شأن قدرة الدولة المصرية على حماية مواطنيها، ومدى نجاح الأجهزة الأمنية في بسط هيمنتها على سيناء. وعقب حادث الكنيسة البطرسية، الذي هز القاهرة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، اندلعت تظاهرات غاضبة نظمها شباب مسيحيون للتنديد بالأداء الأمني الرخو والخطاب الإعلامي الممجوج، وذهب المتظاهرون إلى أبعد من المتوقع، حينما رددوا هتافات تطالب، وللمرة الأولى منذ انتخاب الرئيس السيسي في عام 2014، بإسقاط النظام. وعلى أثر الحادثتين الإرهابيتين اللتين استهدفتا كنيستي «مار مرقص» في الإسكندرية، و«مار جرجس» في طنطا، في شهر نيسان (أبريل) الماضي، أعلن الرئيس السيسي عن إنشاء مجلس قومي لمكافحة التطرف. لكن خرجت جموع من الشباب المسيحي تعبر عن غضبها، رافعة الصلبان، ومطالبة برحيل الرئيس عبدالفتاح السيسي عن الحكم، كما حمّل المتظاهرون المسيحيون الغاضبون وزارة الداخلية المسؤولية عن التفجيرين، ودانوا تهاون الشرطة في القيام بدورها في حماية الكنائس، فيما هرع العشرات منهم إلى قطع طريق كورنيش الإسكندرية، قبالة النُصب التذكاري للجندي المجهول، الأمر الذي تسبب في توقف حركة المرور على مستوى المدينة برمتها. وامتدت موجات الغضب المسيحي جراء العمليات الإرهابية الوحشية التي عصفت بأقباط مصر خلال الآونة الأخيرة، لتطاول أقباط المهجر ومسيحيي الخارج، ففي الولايات المتحدة، أعلن بعض المواطنين المصريين من المسيحيين الأميركيين عن تنظيم وقفة أمام البيت الأبيض احتجاجاً على «الاعتداءات الطائفية المتكررة التي أقضت مضاجع المسيحيين في مصر». وفــــي أعقاب حادث المنيا، انطلقت تظاهرات أمام المستشفيات التي استقبــلت جثامين الضحايا، ترددت خلالها هتافات تطالب بالقصاص وسرعة ضبط الجناة، فيما تجمهر بعضـــهم عند طريق السكك الحديد الواصــل بيــن القاهـرة وأسوان وقاموا بقطـــعه، في تطور لم تشهـــد له الـبـــلاد مثيلاً منذ أعوام عدة. وجاء رد فـــعل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية متــسماً بالمسؤولية والحكمة والإتزان. ففـــي بيانها الذي أصدرته بعد ساعات من الحادث الإرهابي في المنيا، أكدت الكنـــيسة أنه «استهدف قلب مصر ووحـــدتها الوطنية»، مشددة على أن الإرهابــــيين لا يمكـن أن ينالوا مرادهم. ومع إصرار تنظيم «داعش» على اللعب بورقة الفتنة الطائفية من خلال استهداف الخاصرة الرخوة للمصريين والمتمثلة في الجماعة القبطية، تبدو اللُحمة الوطنية المصرية أمام اختبار صعب. فما بين اندفاع بعض الشباب المسيحي، وروية وحكمة قيادات الكنيسة القبطية، لا يزال الإرهابيون يراهنون على جني ثمار مخططهم الشيطاني الهادف إلى توسيع الفجوة تدريجاً بين الكنيسة من جانب وقطاع من الشباب المسيحي من جانب آخر. فلطالما ناشدت الكنيسة الشباب بالكف عن التظاهر وإدانة النظام وتحميل السلطات المسؤولية واتهام الأجهزة الأمنية بالتقصير في حماية المسيحيين، بيد أن أولئك الشباب لم يمتثلوا لتلك النداءات، حتى أن بعضاً منهم لم يتورع عن اتهام الكنيسة بالتواطؤ مع الدولة على حساب حقوق المسيحيين وأمنهم! * كاتب مصري
مشاركة :