شهدت الترجمة من العربية بعض التقلبات حسب الظروف التاريخية في نصف القرن الأخير. فخلقت هزيمة 1967 تعاطفاً ثقافياً أوروبياً مع المقاومة الفرنسية، وبدأ الإقبال على ترجمة أعمال غسان كنفاني وإميل حبيبي ومحمود درويش كأصوات معبرة عن المقاومة الفلسطينية. وعندما حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب عام 1988، اهتم العالم كله، ولا سيما أوروبا، بالإبداع الثقافي العربي ككل، وخاصة على صعيد الرواية. وكان هناك تأثير خاص لبعض المؤسسات الأوروبية الخاصة في جهود ترجمة الثقافة العربية ومنها: (دار سندباد للنشر) في فرنسا التي زودت القارئ الفرنسي في ستينات القرن المنصرم بمجموعات مختارة من الثقافة العربية والتراث الإسلامي. وقام (معهد التعاون مع العالم العربي) في مدريد و(معهد العالم العربي) في باريس بتقديم مساعدات سخية لبعض دور النشر الخاصة في إسبانيا وفرنسا بغرض تمويل عمليات ترجمة ونشر الأعمال الثقافية العربية إلى لغتي البلدين. وبطبيعة الحال لا ينبغي أن نغض الطرف عن دور العامل الشخصي في ترجمة أعمال بعض الكتاب رغم نسبيته. كما لا ينبغي أن نغفل قيام بعض الكتاب بصوغ إبداعاتهم وعينهم على المتلقي الأوروبي فيكتبون له ما يريد أن يقرأه عن العرب وعالمهم. لكن لماذا يجب علينا أن نفكر بالترجمة قبل أن نفكر بوضع الكتاب المزري في بلادنا؟ فعدد الكتب التي تصدر أو تُطبع في الوطن العربي هي الأقل في العالم قياساً بعدد السكان، لماذا علينا أن نهتم بترجمة ثقافتنا إذا كان إنتاجنا المعرفي ليس بالقدر الكافي ونسبة القراء لدينا ليست بالقدر الكافي. ويتساءل كثير من المبدعين: ما جدوى أن يقرأ العالم ما يكتبون من أعمال (عبر ترجمتها) إذا كان أبناء جلدتهم لا يطلعون عليها؟ ويرى هؤلاء المبدعون أنه إذا كان علينا القيام بخطوة فاعلة حقاً في اتجاه أن يهتم الغرب بإنتاجنا فيترجمه ويطلع عليه، فعلينا أن نهتم به أولاً. فعندما نسأل أي طالب جامعي عن أسماء لامعة في الأدب العربي، سيصدمنا الجواب. يشتكي بعض المبدعين من أن جهود الترجمة إلى اللغات الأخرى تتم عبر أشخاص يعشقون الأدب العربي ويؤمنون بأنه أدب عظيم القيمة ويتمنون لو تتسنى له فرصة الانتشار. وهم يؤدون جهودهم بكل إخلاص دون أي دعم مؤسسي. وهذا المجهود ممكن أن ينهار في أي وقت قبل أن يلقى الدعم المطلوب. ويبدو أن هناك اهتماماً بشكل أكبر بنقل علوم الآخرين وثقافتهم إلى ثقافتنا العربية، في تجاهل واضح لأن ننقل تراثنا وثقافتنا إلى اللغات الأخرى. وهنا تكمن المفارقة، حيث يتم تسخير الجهود العربية كافة من مترجمين ومؤسسات ودعم من أجل الترجمة من اللغات الأخرى، والعمل على نشره وتوزيعه بالطريقة اللائقة، في حين لا يحظى ما تخطه أيدينا ولو بجزء يسير من هذا الاهتمام. إن التحدي الذي فرضته علينا العولمة الثقافية يقضي بمحاولة إبراز وجهنا الثقافي بالاعتماد على أنفسنا. ولذا يتوجب علينا إنشاء دور نشر متعددة تكمن مهمتها في النشر باللغات المختلفة. وهناك محاولات محدودة تبذلها (مجلة بانيبال) الفصلية التي تصدر من لندن بالإنجليزية، فضلاً عن الدور الذي تقوم به دار (بلومزبري) العربية الذي افتتحتها مؤسسة قطر للتربية والثقافة والعلوم، وجائزة البوكر العربية. ولكن هذه المحاولات لا تحقق نتائج كبيرة لعدم وجود أي تنسيق بينها أو رؤية شاملة. إننا عندما نقرأ الكتب المترجمة إلينا، لا نشعر بأنها أكثر تفوقاً من نظيرتها العربية، بل لدينا كتّاب عالميون ولكن لا يوجد من يدعمهم بنشر كتبهم بشكل مؤسساتي محترف. يعيش الإنتاج الثقافي العربي حالة من العزلة بعيداً عن رياح التغيير التي تهب على العالم في إطار العطاء الحضاري من النواحي الفكرية والعلمية والأدبية والتقنية. ومواجهة هذا التحدي العولمي يكون بتفعيل المشاركة داخل منظومة العولمة دون التخلي عن الخصوصية الحضارية بدءاً من إصلاح المنظومة التعليمية وتعليم اللغات وإنتاج الكتاب العربي باعتباره جزءاً أصيلاً من الإبداع وليس رافداً ومستهلكاً للثقافة الغربية السائدة كمرحلة سابقة للترجمة. وقد شهدت الترجمة من العربية بعض التقلبات حسب الظروف التاريخية في نصف القرن الأخير. فخلقت هزيمة 1967 تعاطفاً ثقافياً أوروبياً مع المقاومة الفرنسية، وبدأ الإقبال على ترجمة أعمال غسان كنفاني وإميل حبيبي ومحمود درويش كأصوات معبرة عن المقاومة الفلسطينية. وعندما حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب عام 1988، اهتم العالم كله، ولا سيما أوروبا، بالإبداع الثقافي العربي ككل، وخاصة على صعيد الرواية. وكان هناك تأثير خاص لبعض المؤسسات الأوروبية الخاصة في جهود ترجمة الثقافة العربية ومنها: (دار سندباد للنشر) في فرنسا التي زودت القارئ الفرنسي في ستينات القرن المنصرم بمجموعات مختارة من الثقافة العربية والتراث الإسلامي. وقام (معهد التعاون مع العالم العربي) في مدريد و(معهد العالم العربي) في باريس بتقديم مساعدات سخية لبعض دور النشر الخاصة في إسبانيا وفرنسا بغرض تمويل عمليات ترجمة ونشر الأعمال الثقافية العربية إلى لغتي البلدين. وبطبيعة الحال لا ينبغي أن نغض الطرف عن دور العامل الشخصي في ترجمة أعمال بعض الكتاب رغم نسبيته. كما لا ينبغي أن نغفل قيام بعض الكتاب بصوغ إبداعاتهم وعينهم على المتلقي الأوروبي فيكتبون له ما يريد أن يقرأه عن العرب وعالمهم. يرى هؤلاء المبدعون أنه إذا كان علينا القيام بخطوة فاعلة حقاً في اتجاه أن يهتم الغرب بإنتاجنا فيترجمه ويطلع عليه، فعلينا أن نهتم به أولاً. فعندما نسأل أي طالب جامعي عن أسماء لامعة في الأدب العربي، سيصدمنا الجواب. يشتكي بعض المبدعين من أن جهود الترجمة إلى اللغات الأخرى تتم عبر أشخاص يعشقون الأدب العربي ويؤمنون بأنه أدب عظيم القيمة ويتمنون لو تتسنى له فرصة الانتشار. وهم يؤدون جهودهم بكل إخلاص دون أي دعم مؤسسي. وهذا المجهود ممكن أن ينهار في أي وقت قبل أن يلقى الدعم المطلوب. ويبدو أن هناك اهتماماً بشكل أكبر بنقل علوم الآخرين وثقافتهم إلى ثقافتنا العربية، في تجاهل واضح لأن ننقل تراثنا وثقافتنا إلى اللغات الأخرى. وهنا تكمن المفارقة، حيث يتم تسخير الجهود العربية كافة من مترجمين ومؤسسات ودعم من أجل الترجمة من اللغات الأخرى، والعمل على نشره وتوزيعه بالطريقة اللائقة، في حين لا يحظى ما تخطه أيدينا ولو بجزء يسير من هذا الاهتمام. إن التحدي الذي فرضته علينا العولمة الثقافية يقضي بمحاولة إبراز وجهنا الثقافي بالاعتماد على أنفسنا. ولذا يتوجب علينا إنشاء دور نشر متعددة تكمن مهمتها في النشر باللغات المختلفة. وهناك محاولات محدودة تبذلها (مجلة بانيبال) الفصلية التي تصدر من لندن بالإنجليزية، فضلاً عن الدور الذي تقوم به دار (بلومزبري) العربية الذي افتتحتها مؤسسة قطر للتربية والثقافة والعلوم، وجائزة البوكر العربية. ولكن هذه المحاولات لا تحقق نتائج كبيرة لعدم وجود أي تنسيق بينها أو رؤية شاملة. إننا عندما نقرأ الكتب المترجمة إلينا، لا نشعر بأنها أكثر تفوقاً من نظيرتها العربية، بل لدينا كتّاب عالميون ولكن لا يوجد من يدعمهم بنشر كتبهم بشكل مؤسساتي محترف. صناعة الكتاب العربي عندما نتساءل عن نسبة الكتب العربية المترجمة؟ ومدى إقبال الغرب عليها؟ لا نجد جواباً شافياً لعدم وجود مؤسسة لجمع وتصنيف تلك البيانات والوصول إلى نسب محددة وبالتالي وضع خطط للنهوض بعملية الترجمة. وأغلب الإحصاءات التي يمكن جمعها تشير إلى أن إجمالي الكتب العربية المترجمة لا يتخطى 500 كتاب في السنة. أغلب هذه الترجمات، إما أن يكون مدفوع الأجر، وإما أن يكون قد صدر عن اختيار عشوائي لإحدى دور النشر، ولا تعطى اهتماماً بالتسويق على نطاق واسع. وبالنظر إلى مكانة الترجمة في النظام العربي الرسمي، نجد أنها لا تأخذ الاهتمام الكافي. وما يزال العرب لا يرون في الترجمة ضرورة ة كما تراها أمة متقدمة كاليابان مثلاً التي تهتم بنقل أغلب ما أنتجه العقل البشري في المجال العلمي والتقني من وإلى لغتها ومن لغات أخرى فتترجم سنوياً 30 مليون صفحة وتشتري حقوق نشر وترجمة مجلة (ساينس) الأمريكية لتقدمها للعقل الياباني لإحراز مزيد من التقدم. وتحيط الفوضى بجهود الترجمة المحدودة في الوطن العربي، لأنها جهود تفتقر إلى هدف بعيد المدى تتحلق حوله الدول العربية بإخلاصها وأموالها لتحقيق نهضة إيجابية تأخذنا من حالة التخلف والاستهلاك إلى حالة التقدم والإنتاج لكل الأجيال المقبلة. وبنظرة عامة على أهم مؤسسات صناعة الترجمة في الوطن العربي، سنجد كل منها تعمل وفقاً لخطتها وأهدافها الخاصة، وهي تحاول في إطار دائرة رؤيتها التي تظل غير متشابكة مع الجهات الأخرى الطامحة. تبنى المركز القومي للترجمة في مصر (مشروع الألف كتاب) في محاولة للخروج من أسر الترجمة من الإنجليزية والفرنسية إلى رحاب اللغات الأخرى وبخاصة الإسبانية والتركية والفارسية في مجالات معرفية متنوعة في الأدب والعلوم والإنسانيات. والملاحظ على هذا المشروع أن المنتجات تخرج بصورة بطيئة وبعضها لا يخضع لمراجعة دقيقة. هناك أيضاً مشروع (كلمة) للترجمة إلى العربية وهو مبادرة مستقلة تتبع هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، تم إطلاقه في عام 2007 بهدف إحياء حركة الترجمة في العالم العربي. وبعد أن بدأ المشروع بترجمة عدد كبير من الكتب يصل إلى ألفي عنوان تقلّص إلى 500 عنوان بزعم قلة الطلب في السوق. وعاد المشروع مؤخراً ليعلن عن خطة طموحة تهدف إلى الوصول إلى ألف كتاب خلال بضع سنوات قلائل. وكان من أهداف جائزة بوكر العربية، التي تمولها دولة الإمارات العربية المتحدة، أن تجذب دور النشر الأجنبية لترجمة الروايات التي تفوز أو تدخل قائمة الترشيح الصغيرة (بشكل تلقائي). ولكن للأسف لم تترجم إلا روايات قليلة من الروايات الاثنتين والأربعين -ست روايات في كل قائمة- التي دخلت القائمة القصيرة منذ تأسيس الجائزة عام 2007. وبرغم أن رئيس المؤسسة د. ياسر سليمان يزعم أن ثلاثين رواية قد ترجمت إلى اللغة الإنجليزية، فلا نعثر على هذه الترجمات في المكتبات الأوروبية، ولا أي عروض نقدية في الصحف أو المواقع الأجنبية! هناك مؤسسات أخرى تحاول أن تبذل جهوداً في إطار نشر الثقافة العربية فتقوم مجلة (سيف غباش- بانيبال للترجمة) بترجمة الروايات العربية في العاصمة البريطانية. وقام بتأسيس هذه المجلة كل من مارغريت أوبانك وزوجها الكاتب والصحفي العراقي صموئيل شمعون سنة 1998. وقد نشرت المجلة منذ تأسيسها أعمال مئات المؤلفين العرب والمترجمين من العربية. وهناك أيضا مؤسسة رسمية أخرى حديثة العهد هي (بلومزبري- قطر)، التي ترجمت قسماً من الروايات العربية للإنجليزية. النظرة الدونية يتهم البعض دور النشر الأجنبية بعدم الاهتمام بالانتقائية في ترجمة الأعمال العربية التراثية كمؤلفات الحلاج وإخوان الصفا دون غيرها. ويلوم البعض الآخر عدم دقة هذه الترجمات، ويشير إلى ضرورة تصحيح ما تعانيه الترجمات القديمة لأمهات كتب التراث العربية من مغالطات ونقاط ضعف كثيرة، فلا توجد إلى اليوم تراجم ممتازة يوصى بها لمعاني القرآن الكريم في اللغات المختلفة. وتبقى الترجمات الفرنسية لمعاني القرآن الكريم هي الأكثر أخطاءً. الشيء نفسه يوجد في عالم الأدب الذي يحظى بالقدر الأكبر من الكتب المترجمة، حيث تقوم دور النشر الأجنبية بترجمة الروايات أو القصص المثير للجدل والممنوعة في أغلب الأحوال من النشر في الدول العربية. على سبيل المثال، تهتم دور النشر الأجنبية بأعمال الكاتبة والروائية نوال السعداوي. ولا يكاد يُنشر لها أي عمل بالعربية حتى يُترجم في العام نفسه إلى الإنجليزية ولغات أخرى. ويُقابل ذلك بين الأدباء والمثقفين العرب بالوجوم والاندهاش حيث تأخذ أعمال كبار المبدعين في مصر والعالم العربي وقتاً حتى يُتاح لها فرصة الترجمة ويكون ذلك في الغالب من خلال علاقات شخصية أو ترجمات مدفوعة الأجر. وقد خلص عدد من النقاد العرب أن استقبال نوال السعداوي في الغرب ناجم عن عوامل سياسية، فهي تقدم للمجتمع هناك ما يود أن يسمعه عن المرأة في المجتمع العربي، فهي نموذج للعلاقات بين العالمين الأول والثالث في الإنتاج والاستهلاك، فكتابها (الوجه العاري للمرأة العربية) تُرجم إلى (الوجه المخبأ لحواء) وهو على النقيض التام مما قصدته الكاتبة ولكنهم هكذا يريدون الفهم في الغرب. ويتم تقديم السعداوي في المؤتمرات باعتبارها سيدة وحيدة تقف بمفردها أمام مجتمع شرقي (متخلف) (ذكوري). المسار الصحيح إن النظر إلى حال الكتاب العربي والاهتمام العشوائي بالترجمة في زحام العولمة يقتضي التطلع إلى أفاق مستقبلية للحاق بركب اللغات العالمية في إنتاج المعرفة بها ثم نشرها وترجمتها لتحتل مكانتها اللائقة على الصعيد الثقافي الدولي. إن كل فعل نهضوي تنويري نحو إخراج الوضع العربي من التخلف والجمود إلى التقدم والحراك لن يتم إلا عبر الترجمة. وإذا نظرنا إلى المشروعات المعنية بالترجمة، سنجدها ذات أهداف طموحة ولكنها منقوصة، لأنها لم تهدف إلى توحيد الجهود في بوتقة عربية قومية موحدة ذات هدف قومي موحد هو النهضة الشاملة عبر الترجمة. من هنا، ينبغي وضع (خطة عمل مشترك) بين دور النشر العربية المهتمة بحركة ترجمة الكتب من العربية وإليها بدلاً من أن تغلب عليها العفوية ولا تحكمها غاية كبرى، لأن أي مشروع إنتاجي يصاحبه إطار إبستمولوجي يحدد طموحاته وأهدافه. يجب التركيز في هذه الخطة على ما يلي: 1) تكوين اتحاد عربي موحّد للترجمة، وتوسيع نطاقه شيئاً فشيئاً في جميع الدول العربية. 2) تكوين عصري للمترجمين العرب، ويتم ذلك بتدريس الترجمة كفرع لغوي متخصص في أكثر الجامعات العربية. 3) ضخامة الإنتاج: يجب علينا أن نحدد نسبة سنوية للكتب التي نريد نقلها من العربية وإليها إذا كنا نتحدث بجدية في إطار عالمية اللغة والقضايا العربية. كما ينبغي تحقيق الموازنة بين ترجمة الكتب الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة.
مشاركة :