منذ أربعين سنة، تتردد معلومات تخص المنطقة الأثرية المهملة في قلب القاهرة، «صحراء المماليك»، عن نية رسمية لإزالة البنايات المخالفة التي استولى أصحابها على أراضيها بوضع اليد على رغم ما للمكان من أهمية تاريخية، وتحويل المنطقة إلى متحف مفتوح بعد عمليات ترميم واسعة، على غرار شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي بات الآن أقرب إلى ملتقى ثقافي فني دائم. هذا ما رواه العم محمد (65 سنة) أحد سكان المنطقة التي لا تستطيع الوصول إليها بواسطة «GPS» فلا وصف لموقعها على الخريطة، ولا سبيل للوصول إليها سوى الوصف الذي يقدمه «مقعد السلطات قايتباي» الثقافي. يعود الفضل إلى الألمانية أنييسكا دبروفولسكي، وهي مديرة مكتب هندسي في القاهرة، في إنقاذ أثر مقعد السلطان قايتباي من بين أكثر من 40 أثراً آخر في منطقة صحراء المماليك، وتحويله إلى مركز حضاري يجمع بين الفن والثقافة والتنمية، إذ يُعنى المركز بتبني مواهب أبناء الضاحية الشعبية ورعاية حرفهم اليدوية التي كادت تندثر، بالتعاون مع المعهد الأثري الألماني وبتمويل من الاتحاد الأوروبي مقداره 50 ألف يورو، وبإشراف من وزارة الآثار المصرية. وفي منتصف العام 2015، أتاح المركز الثقافي لأهالي الضاحية المهملة الاطلاع على آفاق جديدة والمشاركة في نشاطات لم يعهدوها، ما بين رقصات حرة في الهواء بمشاركة ذوي القدرات الخاصة وفنون الغرافيتي (رسم على واجهات البنايات)، إضافة إلى تنظيم معارض لتسويق منتجات الحرفيين التقليديين في المنطقة وفناني مشروع سوق الفسطاط. تفاعل الأهالي مع ذلك المشروع سريعاً، لأنه من جهة أتاح لأبنائهم مكاناً آمناً يلهون وينمّون مواهبهم فيه مجاناً، ومن جهة أخرى استطاع القائمون على المكان تدعيم حالة الترابط مع أهالي المنطقة الذين غطت صورهم في مناسبات عدة جدران المركز في معرض صوره الدائم. إحدى تلك الصور التقطت للفتاة منّة ذات العشر سنوات مع والدتها خلال الاحتفال بعيد الأم. تقول منة: «أتعرف في المركز الى الفن بأشكال مختلفة، بين الغناء والرسم. استمتعت جداً عندما جاء إلى المنطقة فنان غير مصري ورسم على الجدران الفأر المبتسم فرانكي، وحين صُورت مع أمي بمناسبة عيد الأم وعرضت الصورة في المعرض». يجمع المشروع بين حفظ التراث المعماري والتاريخي من خلال جذب الأنظار إلى آثار القاهرة، إلى جانب تعزيز الحرف التقليدية التي يزاولها ســكان المنطقة ومنها نفخ الزجاج، زخرفة المعادن والأخشاب، نسج الســجاد اليدوي وغيرها، والترويج لها. وهو ما اعتبره الشاب العشريني علاء فتحي من سكان «صحراء المماليك»، أفضل ما قدمه المركز، إذ «أعاد الأمل إلى الحرفيين، عبر تسويق منتجاتهم في سلسلة من المعارض الفنية تحمل اسم السلطان تقام على فترات متقاربة». ترجع تسمية المنطقة «صحراء المماليك» إلى نشأتها في العصر المملوكي في القرن الرابع عشر ميلادي، حين بدأ سلاطين المماليك إنشاء المساجد والمدافن الخاصة بهم، وكان السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي أبرز من عُني بالبناء فيها، وتميّزت منذ ذلك بالمعمار الإسلامي الفريد والقباب التي وصفها المؤرخون بأنها لم تجتمع في مكان واحد كما اجتمعت في «صحراء المماليك».
مشاركة :