النزاع على الموارد في ليبيا ... يتفاقم

  • 5/31/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

تعود عملية التذرر السياسي والتفتت المكاني في ليبيا إلى الثورة على القذافي في 2011. وكانت الغلبة للهويات القبلية والمحلية. وفي وقت أول، توحدت المدن التي كانت معقل الثورة. ولكن حين رُفع خطر النظام عنها، اثر سقوط القذافي، برزت مسألة السيطرة على موارد الدولة. ومذذاك، تفاقمت الانقسامات بين المجموعات المحلية، وشابت (الانقسامات) صفوف المجموعات نفسها. ومدار التذرر والتفتت على توزيع الموارد وتقاسمها. وفي عهد القذافي، كانت قنوات توزيع الثروات واضحة المعالم على رغم الطعن في الإطار السابق لتوزيع الثروات. واليوم، تداعى الإطار هذا وتناثر. وليست الهوية الوطنية الليبية موضع شك أو تساؤل، وهي في منأى من الطعن. وفي ما خلا بعض الانفصاليين في برقة (شرق ليبيا حيث شطر راجح من احتياطي النفط) ثمة إجماع على الهوية هذه. ولا تخرج المجموعات الإتنية المتباينة التي تطالب بالاعتراف بلغاتها وثقافاتها من الأمازيغ والطوارق، على الهوية الوطنية الليبية. وأخفقت حكومة فائز السراج على مختلف الجبهات. وفي البدء استفادت الحكومة هذه من إرهاق الليبيين من الحرب الأهلية، ولكنها لم تفلح في المضي قدماً. ولم ينجُ اتفاق الصخيرات (المبرم في كانون الأول 2015 برعاية الأمم المتحدة) من الانهيار. ونأى عنه عدد من القوى السياسية والعسكرية. ومنذ أشهر، يتعاظم المنحى العسكري. وهذا ما يسعى ديبلوماسيون غربيون إلى تفاديه، ويدعون إلى المفاوضة من جديد على اتفاق الصخيرات. ولكن إلى اليوم لم يرسَ إطار للتفاوض. واختيار المشاركين في مفاوضات الصخيرات كان مسألة شائكة. ففي 2015 بدا أن مسوغات كثيرة تسوغ دوران هذه المفاوضات بين البرلمانيْن المتنافسيْن. ولكن سرعان ما بدا أن البرلمانيْن هذين لا يمثلان أطراف النزاع كلها. والانقسام يشوب صفوفهما، ونفوذ شطر كبير من ممثليهما إلى المفاوضات، ضعيف. وتعاظم وتيرة المفاوضات في أشهر 2015 الأخيرة، في وقت كان خطر داعش يلوح ويكبر، فاقم المشكلات: فالضغوط لحمل المتفاوضين على إبرام اتفاق زادت. وفي مثل هذه الظروف، كان متوقعاً ألا يفلح الاتفاق في حل النزاع. وعجلة المجلس الرئاسي الذي يدير السراج دفته، لا تدور. ومضى على اجتماعه الأخير وقت طويل. وجعبة السراج من السلطة والنفوذ خاوية. وهو في مهب ضغوط مجموعات مسلحة متباينة، وعدد من القوى السياسية على أشكالها. وليست ميليشيات طرابلس -وينظر إليها على أنها مقربة من المجلس الرئاسي- موالية لحكومته. فهي تستغل الأحوال لبسط دوائر نفوذها والسيطرة على موارد جديدة. وأرى أن الجنرال السابق خليفة حفتر لا يرغب في أن يكون حلقة من حلقات الحل فحسب، بل يريد أن يكون الحل، أي حاكم ليبيا الأوحد. واستراتيجيته تراهن على بطء أفول حكومة السراج وتفاقم النزاعات بين خصومه. ولو قيضت له المشاركة في مفاوضات، سيعرقل أي حل سياسي. ولا أرى أن داعميه العرب قادرون على ثنيه عن الموقف هذا. ويتكئ حفتر إلى مشاعر النقمة القوية في أوساط كبريات قبائل الشرق وضباط الجيش السابق الذين تعرضوا لحملة اغتيالات شنتها المجموعات «الجهادية» في بنغازي. واستمال كذلك دعاة الحكم الذاتي والفيديرالية في برقة. ولكن منذ حوالى عام، تخلص من بعض المجموعات التي تختلف مصالحها عن مصالحه على رغم أنها سبق أن دعمته في الشرق، من أمثال زعماء ميليشيات قبلية وبعض أنصار الحكم الذاتي. وهو أرسى بنية أمنية قمعية. والناس تتعاطف معه وتؤيده. ولكن ثمة قوى سياسية انضوت في ائتلافه ثم انفكت عنه. وتعززت قبضة جهازه القمعي. وإذا أفلح حفتر في الإمساك بالهلال النفطي وواصل تصدير النفط على نحو ما يفعل اليوم، تعاظم نفوذه وتعاظم شأنه في عين المجتمع الدولي. وخطر مواجهة مع مصراتة محتمل إذا حاولت قوات حفتر التقدم من الغرب نحو سرت ومن الجنوب الغربي نحو الجفرة. وترى ميليشيات مصراتة أن مكانة هاتين المدينتين الاستراتيجية بارزة وبالغة الأهمية، ولذا، لن تقبل بسيطرة حفتر عليهما. ومصراتة هي أكبر قوة عسكرية في ليبيا. ولكن أوجه استخدام هذه القوة بثت النفور والكراهية إزاء المصراتيين في أصقاع ليبيا كلها، في وقت أن أبناء مصراتة تجار ويحتاجون إلى الارتباط بعلاقات جيدة مع أترابهم من الليبيين. ولكن اليوم لم يعد في إمكان شاحناتهم مغادرة مناطقهم وبلوغ أي ناحية من نواحي ليبيا. وفي طرابلس، يتوسل عدد من القوى بمشاعر الكراهية هذه لطرد «المصراتيين من المدينة». وثمة شبه إجماع على أداء قدامى القذافيين دوراً في المرحلة المقبلة. وقلة من ثوار 2011 ترفض مشاركة هؤلاء في الحكم. ولكن من هم ممثلو هذا التيار اليوم؟ ولا أعتقد أن في إمكان داعش رص صفوفها في مصراتة. ولكن هذه المدينة هي مسرح حوادث كثيرة. فالتيار المدخلي (نسبة إلى ربيع بن هادي المدخلي) كان جزءاً من التحالف العسكري ضد داعش، وهو خرج من هذه الحرب أقوى ويسعى إلى الهيمنة في سرت. وينظر معظم أهالي سرت، وهي كانت مركز وحدات القذافي العسكري، إلى المصراتيين بعين النقمة منذ ثورة 2011. وليس في مقدور بنية عسكرية يتولاها المصراتيون، مباشرة أو غير مباشرة، إرساء الاستقرار في المدينة. فهذا متعذر ومستحيل. ويتوقع أن ينفخ حفتر في التوترات بين أهالي سرت والمصراتيين، وأن يمسك التيار المدخلي بمقاليد المدينة في معزل عن المصراتيين. والتيار هذا ليس وليد اليوم، ويعود إلى أيام القذافي. وحينها كان النظام يدعمه، وارتبط الساعدي القذافي بعلاقات وثيقة به مع التيار المدخلي في الغرب الليبي. وفي شرق ليبيا، زاد نفوذه إثر التحالف مع حفتر.     * باحث، خبير في الشؤون الليبية، شارك في كتابة «الثورة الليبية وما بعدها»، عن «شتيفتونغ فيسنشافت أند بوليتيك» الألماني، إعداد منال نحاس.

مشاركة :