خيارات قطر وأسئلتها بقلم: عدلي صادق

  • 5/31/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

إن كان الحكم في قطر، لا يستطيع فرض الأخونة على نفسه وعلى شعبه المسلم الطيب المتجانس، لماذا يرى في الحكم الإخواني وصفة شافية لمجتمعات أخرى، تتعدد فيها الأعراق والمذاهب والأديان وتتنوع الثقافات.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/05/31، العدد: 10649، ص(8)] من بين مفارقات التحليل، عند تناول الأزمة الضارية بين الحكم في قطر وقيادات دول مجلس التعاون الخليجي، ما يأخذنا إلى بعض الحيرة مع بعض الفكاهة، لا سيما عندما يتبدى أن إثم الدوحة سيكون أكبر، في حال أن يكون تمسكها بجماعة الإخوان حقيقيا، وتكون محاباتها لإيران خيارا استراتيجيا. فمن المنطق أن نتساءل: هل الحكم في قطر، على قناعة بمواقفه أم أن لديه مواويل ومقاصد محددة، والكثير من الهواجس، دونما سياسات أو رؤى؟ الواضح أن المنطق القطري الراهن، يمثل خليطا من العناد والكيديات ومن هواجس التخوف من الأشقاء، ومن الافتراضات الناشئة عن إرث مرير في العلاقة مع الجوار، ما يجعل التمسك بجماعة الإخوان ومحاباة إيران، نوعا من المناورة في تحريك البيادق على رقعة الشطرنج، بلا أدنى قناعة بمنهج الإخوان أو بالسلوك الإيراني في الإقليم، لكن الخطير، هو كون هذا الخليط، قد أصبح ناظما لسلوك الحكم في قطر، وقد نشأت عنه توجهات السياسة التي أوقعت الأذى بأقطار أخرى صاحبة أفضال تاريخية. وللأسف، بات هذا السلوك من نوع المؤقت الدائم حسب تعبير محمود درويش في إحدى سخرياته. فلو أن مواقف الحكم في قطر تعكس قناعاته الحقيقية، لكان إثم الدوحة مضاعفا. ولنفترض أن قطر مقتنعة بأن جماعة الإخوان هي الوصفة الشافية لمشكلات الشعوب، عندئذ ينبغي أن نتساءل: لماذا لا يبادر الحكم إلى الإعلان عن البيعة لجماعة الإخوان وعن تبني نهجها، وإبلاغ العالم كله، أن الجماعة قد أصبحت لها جغرافيا سياسية، تمثلها الدولة العضو في الأمم المتحدة، وفي جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي؟ الأجدر، بالمنطق، أن يبدأ آل ثاني، اختبار جدارة الحكم الإخواني، في قطر نفسها، بحكم أنها ذات مساحة صغيرة وشعب قليل ومال وفير، وبالتالي لن تواجه مشكلات معقدة، مثلما حدث في خيار الاتكاء على غزة المكتظة، التي لا تقوى على إنتاج الحد الأدنى من متطلبات الكهرباء، ولا تتيح لها ظروف الاحتلال أن تصطاد من بحرها، السردين الذي اقتات عليه الفلسطينيون منذ النكبة. صحيح أن اللائحة الداخلية المعدلة، لجماعة الإخوان لن تجعل تميم مرشدا عاما، لأنها تشترط فضلا عن التأهيل العلمي، أن يُنتخب المرشد العام عن طريق مجلس الشورى العام، ويجب أن يكون قد مضى على انتظامه في الجماعة “أخا عاملا” مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة هلالية، ولا يقل عمره عن أربعين سنة هلالية، لكن الصحيح أيضا، أن تميما يمكنه زجر شيوخ الجماعة، وتذكيرهم بأن التعديل الأخير على اللائحة، حدث في العام 1948 أي قبل نحو سبعين سنة، وهي مدة أكثر من كافية، لإذابة الصخور الصلبة. أما أن تتمسك الدوحة بصيغة الحكم، وفي الوقت نفسه تخوض كل الغمار دفاعا عن الإخوان الذين ظلوا في موضع إعجاب الأسرة الحاكمة في قطر، تصادق فيها وتخاصم عليها، وتضحي من أجلها بالعلاقات مع حكومات الأقطار الشقيقة، بل وتتعرض للرياح العاتية بسببها، فمعنى ذلك أن للدوحة مواويل أخرى، غير التمكين للحكم بالمنهج الإخواني. المنطق القطري يحتشد بالتناقضات على كل صعيد، ربما يرمز إليه انطلاق رحلات الخطوط القطرية، بدعاء الركوب، وهو الآية الكريمة من سورة الزُخرف، ثم بعدئذ تنقلب الأمور في لائحة الطعام فتُعرض الخمور بأنواعها، ما يعني أن الأولوية في الخيارات التي يريدها الحكم لنفسه، ليست لها علاقة بمحددات الشرع أو بما تطالب به الجماعة. فكل ما يمكن للجماعة أن تأخذه من سمات الحكم الإسلامي، هو سماع التلاوة التي تُسمع في أقطار العالم كله، مع خطب الشيخ يوسف القرضاوي، التي يصر الحكم على إسماعها للقطريين. فإن كان الحكم في قطر، لا يستطيع فرض الأخونة على نفسه وعلى شعبه المسلم الطيب المتجانس، لماذا يرى في الحكم الإخواني وصفة شافية لمجتمعات أخرى، تتعدد فيها الأعراق والمذاهب والأديان، وتتنوع الثقافات، بعد أن قطعت هذه المجتمعات أشواطا على طريق التطور الاجتماعي والحضاري والحياة الدستورية، وليس في مقدورها أن تتقبل حكما لجماعة عدلت لائحتها في المرة الأخيرة في العام 1948؟ أما الأكثر مدعاة للسخرية، فهو الافتراض بأن الدوحة انحازت للجمهورية الإيـرانية، ولحرسها الثوري، ولوليها الفقيه، ولامتداداتها من الأتباع العرب، وقررت الابتعاد عن أنظمة تقليدية. فعلى هـذا الصعيد، في وسعنا أن نجزم أن الدوحة أبعد ما تكون عن هكذا أنماط للحكم وعن هكذا أطياف أشبعتها شيطنة وتخوينا، لكنها في ضلالها اختارت محاباة المخالب الإيـرانية، وهـذه لن ترضى من تميم، لكي تتقبله حليفا، أقل من عناق بشار الأسد. لكن مجرد استنكاف الحكم في قطر، عن التعبير عن مخاوفه من التوغل الإيراني في المشرق العربي، يمثل نكوصا عن توجهاته حيال انتفاضة الشعب السوري خلال السنوات الست الماضية. ولعل هذا يفتح الباب، للقول إن كل ما أعطاه الحكم في قطر، لانتفاضة الشعب السوري أو ثورته، هو معاول تخريبها وتشويه صورتها وحرف سياقها. ويبقى السؤال الصعب، ما هي مصلحة الدوحة في الدفاع عن فصائل متطرفة في سوريا، وتغذية التمرد على الدولة في العديد من الأقطار؟ لقد أصبحت صراعات الشعوب مع أحزاب وفصائل الأصوليات، معارك حياة أو موت. ثم إن القوى الأصولية نفسها أثبتت أنها عاجزة عن التعايش مع بعضها بعضا، وها هي تتذابح في الساحات. فما الذي ستفلح فيه الدوحة من خلال سياقها الراهن؟ كاتب ومحلل سياسي فلسطيني عدلي صادق

مشاركة :