قمم الرياض أحبطت الفلسطينيين بقلم: عدلي صادق

  • 5/24/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

استمرار تجاهل مظلومية الشعب الفلسطيني، والتغاضي عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي، والعمل على إبقاء الفلسطينيين إلى الأبد خاضعين للاحتلال، لن تجعل نتائج قمم الرياض وصفة لضمان الأمن القومي العربي.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/05/24، العدد: 10642، ص(9)] لم ير الفلسطينيون، في وقائع القمم التي انعقدت في الرياض، منذ أن هبطت طائرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صباح السبت الماضي، ما يبشر بشيء مفيد. وبالنظر إلى أن قضية فلسطين، ذات صلة بمشاعر العرب والمسلمين، فقد كان مستغربا ألا يأتي المتحدثون، على ذكر كل الأعداء وكل المخاطر، وكل العذابات التي أنتجت التطرف في الإقليم. فما قيل، بالمحصلة، لم يعط أي أهمية لقضايا وحقوق عالقة أو ضائعة، كانت الإهانات التي لحقت بالعرب والمسلمين، بسبب عجزهم عن تسويتها أو استرجاع بعضها، سببا مباشرا لنشوء ظاهرة التطرف وتفشيها، على النحو الذي استحال إرهابا نجمت عنه الكوارث. ربما كانت طبيعة العلاقات، التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل، فضلا عن الصلة الشخصية والعائلية للرئيس ترامب مع الدولة العبرية، هما اللتان أوجبتا صمت الجميع عن توصيف الوضع في فلسطين على قاعدة أن لكل مقام مقالا. وكذلك الصمت من طرف الرئيس الأميركي الزائر عن ملاحظات واستخلاصات تتعلق بمنهجيات الحكم في المشرق العربي، وقضايا ثقافية واجتماعية وإنسانية تهجس بها المنظمات الحكومية الأميركية ومراكز البحوث والمنابر والأوساط الإعلامية. فلم يكن أمام القمم سوى أصوليتين جامحتين لا ثالثة لهما: الإيرانية والداعشية، ذلك علما بأن ثالثة الأثافي التي يرتكز عليها الشر، وهي الأصولية اليهودية الصهيونية الإسرائيلية المتطرفة، هي سبب انفلات الأصوليتين؛ الأولى بذريعة أنها تحمل مشروعا لردع الثالثة. والثانية التي ظهرت بذريعة أنها نقيض الهوان، وزعمت أنها جاءت لكي تُرهب الأعداء وتنشئ دولة خلافة. الأصولية الإيرانية ساعدت بنفسها وعن طريق أتباعها على تفشي الأصولية الداعشية واستفحال أمرها، في عملية معقدة استهدفت النيل من مكون اجتماعي ومذهبي في العراق، وتأثيمه، توطئة للانقضاض عليه وتهميشه. ولم يكن الحاضرون في القمة يجهلون الواقع على الأرض في فلسطين، إذ يستقوي الطرف المحتل على الشعب الرازح تحت نير الاحتلال والحصار، ويخوض الأسرى إضرابا طويلا عن الطعام لتحسين شروط اعتقالهم والحصول على معاملة إنسانية لهم ولعائلاتهم. لكن الذي حدث للأسف، أن استنكف الحاضرون عن وصف الموقف، وإن كان بعضهم دعا إلى تسوية دون أن يتطرق إلى بعض وقائع المشكلة التي يراد تسويتها، ولو باستخدام المحفوظات التقليدية عن أطول وآخر احتلال عسكري في التاريخ المعاصر، وعن الطابع العنصري للاحتلال، وعن ظاهرة المستوطنين الذين تزج بهم حكومة إسرائيل إلى الضفة، لغايات التوسع الاستيطاني والاعتداء على الآمنين، وخلق الحقائق الاحتلالية المضادة التي تجعل التسوية أمرا صعبا إن لم تكن مستحيلة. الأميركيون أنفسهم لطالما طرحوا على النخب الثقافية الأميركية سؤالا عن سبب كراهية شعوب العالم للولايات المتحدة. والرئيس ترامب نفسه، أثناء حملته الانتخابية، أسهب في الحديث عن كراهية المسلمين لأميركا. وكان مفيدا أن يسمع دونالد ترامب شرحا مقتضبا ومكثفا عن سبب كراهية شعوب العالم للسياسة الأميركية، وسيكون هذا مدخلا لعرض مشروع تحالف حقيقي يستحق الاحترام، وإن كان ترامب، على أي حال، غير مؤهل للضلوع في هكذا تحالف، وأنه سينقلب في القادم من الأيام. بعض المظلوميات التي تجاهلتها القمم ألقت بظلالها على توجهات الرأي العام العربي والإسلامي. أما أن يتبدى من خلال المشاهد التي تلاحقت خلال يومين أن العالم الإسلامي وأميركا، قد أصبحا على أتم التوافق، فإن الأمر ينطوي على مغالطة كبرى وخداع للذات، لن تتأسس عليه سياسات واستراتيجيات عمل ناجعة، تسهم في تخفيف الاحتقانات الاجتماعية، وتساعد على محاصرة ظاهرة التشدد والإجهاز عليها. ذلك لأن استمرار تجاهل مظلومية الشعب الفلسطيني، والتغاضي عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي، والعمل على إبقاء الفلسطينيين إلى الأبد خاضعين للاحتلال، لن تجعل نتائج قمم الرياض وصفة لضمان الأمن القومي العربي، بل لن يتبقى من هذه النتائج، سوى تعاقدات السلاح وما بعدها، وسيظل الإيرانيون ماضين في خططهم، لا سيما وقد انتخبوا رئيسا ذا خطاب تصالحي في ظاهره، يمكن أن يستقطب قوى اجتماعية وسياسية عربية، بسبب الموقف الجذري من القضية الفلسطينية، وهو لا يمتلك أي صلاحية لوقف اندفاعة المتطرفين الأصوليين الإيرانيين، أو ما يسمى “الحرس الثوري” و“فيلق القدس” في اتجاه جغرافي مختلف لا يمر بفلسطين ولا يقترب منها، وإنما يلتزم القوس الذي يريدونه، وصولا إلى ساحل البحر المتوسط. بكل أسف، أعطت مشاهد القمم التي انعقدت في الرياض للرئيس ترامب، مكانة النجم الساطع، الذي يستمتع بمشاهدة ملامح زعماء حيارى جاؤوا ليرونه أو ليفتشوا عنده عن شيء لم يسعفهم الوقت لمعرفته تفصيلا ولا للاستفسار عنه، لكنهم تجاوزوا عن كراهيته للعرب، وتقبلوا إشارات قليلة من جانبه تنم عن الرضا، منها انخراطه ضاحكا في رقصة “العرضة” مطمئنا إلى أن الجميع لا يرى عدوا غير إيران والبغدادي. لم يستمع ترامب، في قمم الرياض، إلى وصف للمشهد الفلسطيني، فأحبط هذا التجاهل الفلسطينيين جميعا وأثار استغرابهم. كاتب ومحلل سياسي فلسطينيعدلي صادق

مشاركة :