يحتفل العالم الاسلامي هذا العام، باختيار مدينة مشهد عاصمة للثقافة الاسلامية، هذه المدينة التي انجبت العشرات من كبار العلماء والمفكرين الذين ساهموا في بناء الحضارة الاسلامية والانسانية وقدموا للبشرية خدمات علمية وفكرية سبقت زمانهم في مختلف المجالات كالطب والفيزياء والكيمياء والاحياء والفلك والفقه وغيرها.وبهذه المناسبة، اقامت المستشارية الثقافية الايرانية في الكويت ندوة فكرية بحضور عدد من الباحثين في التاريخ الاسلامي للتعريف بعلماء ومفكري مدينة مشهد على مر العصور.ومن جملة هذه الكوكبة، تم تسليط الضوء على اثنين من هؤلاء العظماء وهما نصير الدين الطوسي وابو جعفر محمد، المعروف بالشيخ الطوسي.وادار الندوة عضو المستشارية الثقافية الايرانية سمير ارشدي، حيث اكد ان نصير الدين الطوسي اشتهر ببناء اول مرصد فلكي في مدينة مراغة في ايران ليجعل منه اول اكاديمية علمية عصرية حيث جمع فيها اكثر من 400 الف مجلد من نفائس الكتب وفي مختلف العلوم لاسيما الكتب التي استطاع انقاذها من حملة المغول على بغداد واحراقهم لمكتباتها.واضاف ارشدي: «اما الشيخ الطوسي فيعتبر من كبار المفسرين والمتكلمين ومؤلف كتابين من الكتب الاربعة وقدم خدمات جليلة للعالم الاسلامي من خلال تربية آلاف الطلبة و تأليف عشرات الكتب العلمية الخالدة حيث اسند اليه الخليفة العباسي كرسي علم الكلام في بغداد».استاذ التاريخ الاسلامي في جامعة الكويت الدكتور سند عبدالفتاح، تناول مسيرة نصير الدين الطوسي باعتباره رائد الحركة العلمية في القرن السابع الهجري. واكد ان المصادر الاسلامية تزخر بالعديد من العلماء والمفكرين الذين أثروا الحضارة الانسانية واعتبر البعض ان الحضارة العربية و الاسلامية وصلت الى عصرها الذهبي في القرن الرابع الهجري، الا ان العلماء الذين ظهروا في اعقاب ذلك الزمن تركوا بصمة ما زالت محفورة في التاريخ الاسلامي، خصوصا «في اقليم فارس ببلدانه المختلفة وبمعظم العلماء الذين انتجوا في التراث الانساني في كل تصانيف العلوم وحسبنا في ذلك العالم الموسوعي نصير الدين الطوسي الذي ترك تراثا هائلا سلب عقول الاوروبيين».واضاف عبدالفتاح: «ولد الطوسي ليجدد الحركة العلمية التي اصابها الركود قبيل عصره فأمسى على مدار 75 عاما، اشهر علماء الفلك والرياضيات والفلسفة وعلم الكلام، بل انه من خلال مؤلفاته كان موسوعيا في شتى العلوم. وتكمن عظمة ومنزلة الطوسي في انه مبدع في تصنيف مؤلفاته في عصر كان يموج بالحروب والصراعات الناشئة من هجمات المغول الوحشية التي اجتاحوا فيها البلدان ودمروها وجعلوها اثرا بعد عين، فذلك المناخ حفز الطوسي على الابداع وغيّر عقلية المغول من الهمجية الى رعاة علم ومشجعين له».المتحدث الآخر في الندوة، هو امين النصار الباحث في التاريخ الاسلامي، حيث اشار الى ان مدينة طوس تعتبر من اقدم مدن بلاد فارس وأشهرها ومن مراكز العلم ومعاهد المعرفة حيث توسعت بعد ورود الامام الرضا اليها وعرفت بمشهد.وتناول الباحث أهم المنجزات العلمية لأبي جعفر بن الحسن الطوسي (385-460هـ) ودوره في تطوير علوم التفسير والسنة الشريفة باعتبارها المصدر الثاني للتشريع الاسلامي ومنبعا اصيلا للثقافة الاسلامية وإسهامه في التصدي للفقه الاسلامي من خلال تأليف كتابه «المبسوط» في الفقه المقارن في 8 اجزاء، «حيث يكفيه فخرا ان كتبه العلمية ما زالت حاضرة في الكليات والمعاهد الدينية والاكاديمية كافة».وأكد النصار ان الشيخ عبدالمجيد سليم شيخ الأزهر، «أشاد بكتاب المبسوط وخواصه الفقهية والروائية باعتباره منهجا للتقريب بين المذاهب الاسلامية ونبذ الفرقة والخلاف»، وطالب باعداد رسائل جامعية حول تلك الشخصيات العلمية والتنسيق مع المراكز الجامعية «لاستثمار هذه الثروات الفكرية التي تركها لنا اجدادنا».أخر المتحدثين الدكتور فيصل طه استاذ التاريخ في جامعة الكويت، حيث تطرق الى تاريخ طوس التي فتحت في عهد الخلفاء الراشدين وسميت بمشهد بعد دفن الامام علي بن موسى بن جعفر الصادق في ثراها، وقدمت المدينة علماء كبارا مثل ابو حامد الغزالي ونظام الملك الطوسي الذين اعادوا لمدينة طوس بهاءها بعد ان هدمها المغول، حيث يشير الرحالة إلى ان القادم الى مشهد من بعيد كان يرى المدينة المنورة.
مشاركة :