خيارات مفتوحة في معركة السيطرة على التلفزيون الإسرائيلي

  • 6/1/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

شلل غير مسبوق يخيم على المجتمع الإسرائيلي بسبب قرارات حكومية في شأن التلفزيون الرسمي بعدما تبيَّن أن سيطرة مكتب رئيس الوزراء المباشرة عليه لم تعد كافية. كأن عقارب الساعة تعود إلى الوراء ليصل الجميع في «واحة الديموقراطية»، إلى حافة الهاوية، أو وصول التلفزيون إلى ما يصفه المعارضون بـ «الإخصاء»، وفقاً لتخطيط بدأ قبل نحو ثلاث سنوات، ويتوقع أن يدخل حيز التنفيذ قريباً. فما هي كواليس هذا التحول؟ يذكر أن القانون المنظم لعمل سلطة البث صدر (في 1965) ينص على حق رئيس الوزراء في تعيين 30 عضواً من 31 يضمهم مجلس التلفزيون وتعين الوكالة اليهودية عضواً واحداً فقط. أي أن هناك سيطرة حكومية تامة على التلفزيون الإسرائيلي، فضلاً عن وقوعه تحت سلطة الرقابة العسكرية الصارمة. ومع هذا قرر بنيامين نتانياهو بحكم أنه يشغل منصب وزير الاتصالات، تكليف شركة خاصة بـ «إصلاح» التلفزيون، وقرر منافسوه داخل الائتلاف الحكومي وخارجه هدم المعبد فوق رأسه عبر إضراب ضخم. وبعد سلسلة من المشاورات والضغوط والتأجيلات تراجع نتانياهو عن فكرة الإصلاح بحل سلطة البث الحالية وتأسيس رابطة تطلق محطتي تلفزيون وموقع إلكتروني و8 محطات راديو ساعياً إلى تحديد موعد لاحق للافتتاح عام 2018. وسعى للتأثير في المعادلة القائمون على إدارة الكيان الجديد، وكذلك أعضاء في الائتلاف الحكومي، وبعد أن هدد بانتخابات مبكرة إذا لم تتم الاستجابة لرغباته تمت صياغة تفاهم داخل الحكومة وعارضه اتحاد عمال إسرائيل مهدداً بإضراب عام. ما سر هذا الصدام؟ يجب أن يوضع في الحسبان في هذا السياق أن التلفزيون والراديو الرسمي «الجديد» تقرر أن يعمل به بحسب التعاقدات والخطة المستقبلية 759 شخصاً من بينهم 429 من سلطة البث القديم و330 من تعاقدات خارجية وتم اختيار نحو 50 آخرين من الطاقم القديم ليبقى مئات من العاملين في سلطة البث القديمة من دون عمل. وتصل كلفة التطوير إلى بليون شيكل ستتم تغطيتها من بيع أصول. نتانياهو كان يتولى وزارة الاتصالات؛ المشرفة على عمل التلفزيون والراديو، وحالياً يشغل تسحي هنجبي منصب القائم بأعمال وزير الاتصالات (على خلفية التحقيقات مع نتانياهو كوزير اتصالات وتفاوضه مع مالك صحيفة «يديعوت أحرونوت» على نشر أخبار إيجابية عنه مقابل تغيير ملموس في جريدة «يسرائيل هيوم» التي توزع مجاناً ويمتلكها أحد أصدقاء نتانياهو). ويمكن رصد سعي الأطراف كافة لترضية الجمهور الإسرائيلي أو تحييده من خلال إلغاء «ضريبة التلفزيون» والتي كانت مفروضة منذ الستينات على كل عائلة تقيم في إسرائيل، لكن الرغبة في التحييد غالباً ستفشل بعد لجوء الهستدروت (اتحاد العمال) للإضراب الذي سيـــمس الإسرائيليين في شكل مباشر، خصوصاً أنه سيكون شاملاً لوسائل مواصلات لا غنى عنها مثل الطيران المدني، وكذلك شركتي النقل العام «ايجيد» و «دان» وهيئة خطوط القطار والمترو والبورصة والجامعات ومحطات التلفزيون، بما يفتح أيضاً ملفات مسكوت عنها؛ مثل مستوى أداء وتأثير راديو الجيش الإسرائيلي الذي تم إطلاقه عام 1950. من جانبه، يتهم معسكر اليمين الإعلام بأنه موالٍ لليسار وأنه متعال ويميل إلى الأداء التجاري. وفي هذا الإطار استغل نتانياهو صراعات وإضرابات سابقة وكذلك تقارير لخبراء تفيد بأن هناك فساداً في التلفزيون الرسمي وجنوحاً نحو شراء المواد الإعلامية وإلغاء برامج إسرائيلية ومواد إعلامية تمَّ الإنفاق عليها بالفعل، لكي يفرض رأيه وتوجهاته. وكانت إسرائيل قد استعانت بمدير سابق لـ «بي بي سي» قضى بضعة أسابيع في جلسات استماع مع العاملين بالتلفزيون الإسرائيلي ثم كتب تقريراً جاء فيه أنه يوصي بأن يتوقف أو يقلل السياسيون من تدخلاتهم في عمل التلفزيون. وهو التقرير الذي كتبه بالإنكليزية وعند ترجمته زعم البعض أن الترجمة للعبرية والتي تمَّ توزيعها على كل العاملين وأعضاء الكنيست كانت أقل سخونة من النص الأصلي؛ أي أنه تم العبث بها للتهدئة. وعلى الصعيد الميداني وحتى قبل أقل من أسبوع على إطلاقها تحت اسم «كان» (هنا) لا يزال الصراع قائماً على الهيئة التي سترث التلفزيون الإسرائيلي، فحتى بعد إنفاق 157 مليون شيكل وتخصيص 300 مليون أخرى خلال عام 2017، لم يتم الكشف عن خريطة البرامج، ما يعكس صراعاً سيتحول إلى صدام علني بين وزير المال زعيم حزب كولانو موشيه كحلون من جانب، واليمين واليسار من جانب، والعاملين في التلفزيون الإسرائيلي والهستدروت من خلفهم من جانب آخر. حيث يسخر المعارضون للقمع الإعلامي على يد نتانياهو وحكومته من الاسم الجديد للتلفزيون الرسمي «كان» (أي «هنا» بالعبرية) ورفعوا شعار «هنا يكممون الأفواه». وهو رأي أنبرى إيهود باراك (رئيس الوزراء الأسبق) للدفاع عنه مهاجماً نتانياهو ومذكراً الجميع بقضايا فساده ومطالباً المعارضة باستخدام ورقة المحكمة العليا التي لم يتوجه لها أحد بعد لوقف جموح نتانياهو الإعلامي. ويسود حالياً اتجاه نحو فرض هدنة أو مهلة إضافية لصياغة تعديلات تشريعية تسمح بفصل الأخبار عن التلفزيون الجديد بما يعني إبعاد السياسة المباشرة لفترة من الوقت عن التلفزيون الإسرائيلي وبقاءه للمرة الأولى من دون أخبار حتى اكتمال التصور المؤسساتي والتشريعي لقطاع الأخبار. وعلى هذا يكون مقترح عودة سلطة البث الملغية خياراً مطروحاً بقوة، مما يعني إهدار موازنات وسنوات من الجهد والنقاش. يذكر أن المتدينين كانوا يرفضون عمل التلفزيون من حيث المبدأ باعتباره مضيعة للوقت ومحفزاً على نمط حياة غير يهودي، وقد قبلوا إطلاق التلفزيون على مضض بعد أن لاحظوا متابعة البعض لتلفزيونات عربية خلال حرب 67، وعلى هذا التزم التلفزيون الرسمي ببعض القيود منعاً لاستفزاز المتدينين، بخاصة يوم السبت. ومع هذا، هناك قطاع عريض من المتدينين يتعامل بعنف مع أي جار يقتني جهاز تلفزيون داخل شقته إذا كانت في أحد الأحياء ذات الغالبية المتدينة! ما يعني أنه سيكون لهم بحساباتهم المعقدة وأحزابهم المعبرة عنهم رأي قد يحسم الصراع بين اليمين واليسار بحلٍ غير تقليدي يصب في اتجاه مزيد من القمع للإعلاميين في إسرائيل.     * أكاديمي مصري.

مشاركة :