سعودي يسأل: كم للعيال وكم لكتابة العدل؟

  • 6/1/2017
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

< صدفة صرفة جمعتني بصديق عزيز عند باب الطائرة في رحلة إلى خارج المملكة. هو صديق عتيق، ولكن طعم حواراتنا طازجة في الذاكرة، لحبه للنقاش والأرقام. صديقي محامٍ ابن محامٍ، سألته عن داعي السفر ونحن نبحث عن مكان لوضع الحقائب الشخصية، فأجابني لغرض متابعة معاملة تسجيل عقار وكتابة عدل. اكتشفت أنه إضافة إلى الأمتعة التي نتأبطها كنا نحمل المهمة نفسها، أردت مواصلة الحديث، ولكن مقاعدنا كانت متقابلة، فاتفقنا أن نلتقي اليوم التالي لمتابعة النقاش. في اليوم التالي.. هذه المرة اختار صديقي وعلى مهل مقاعدنا، وكعادته دخل في الموضوع مباشرة، مدفوعاً بخبرته، ولحرصه عليّ ذهب منبهاً إلى التكاليف العالية لإنهاء هكذا معاملة، وانطلق يشرح وبالأرقام الرسوم المترتبة لإتمام أعمال كتابة العدل، من توثيق ووكالات. 4 في الألف من قيمة التأمين رسم طابع مالي لكتابة العدل، و6 في الألف من قيمة العقار للتوثيق في دائرة التسجيل العقاري، وهكذا من بعد الرقم كمان رقم، يعني أرقام وتكاليف. عند جمعي قيمة الرسوم لتصديق كتابة العدل وتوثيق تسجيل عقار وجدت المبلغ كبيراً جداً، تحديداً لشخص سعودي، فنحن لا ندفع أي رسم مالي في المملكة لكتابة العدل، ولا توجد أي ضريبة في ما يتعلق بتوثيق أو نقل الملكية للعقار، سواء بيعاً كاملاً أم جزئياً أم هبة، أم حتى رهناً لصناديق التمويل العقاري. أخذتني العزة بالتجارة، وللحظة من الجلسة ذهبت وباتهام صريح لوصف الرسوم بأنها عملية احتيال وسرقة. بعد أن هدأت من خواطري تساءلت: قد يكون المبلغ كبيراً، ولكن ماذا عن مبدأ دفع رسوم لقاء خدمات تقدمها الدولة؟ قطع النادل حبل الأفكار سائلاً عما نود أن نشربه. عندها وجدت نفسي متدخلاً لإخماد الاستياء، لأن الأفكار كانت تعصف كحال الطقس، أجبته وبسرعة، ثم تلقفت الحوار مبادراً السؤال عن مبدأ دفع رسوم لقاء خدمات مقدمة من الدولة. ذكرني بقول الشاعر المصري بيرم التونسي: «يا بائع الفجل بالمليم واحدة كم للعيال وكم للمجلس البلدي» واصلت الكلام، ولا شك في أن موضوع الضرائب والرسوم قضية حساسة وفي أي مجتمع، وتفادياً للاستفزاز وبعيداً عن الأسباب التي دفعت الشاعر التونسي لكتابة قصيدته (البيت من قصيدة كتبها الشاعر محمود محمد بيرم بعد فرض المجلس البلدي الضرائب في مدينة الاسكندرية) لا بد من إعادة صياغة السؤال، فلك الحق أن تنتقد، ولك الحق أن توافق، ولكن لك الحق كله أن تناقش. حسناً، لنعِد صياغة السؤال: كم حجم الأعمال المقدمة من كتابة العدل السعودية لسكان المملكة؟ اطلعنا على الموقع الإلكتروني لوزارة العدل السعودية، مستخدمين المرافق الدائم أو الهاتف النقال، ووجدنا الإحصاءات التالية: بلغ مجموع ما أنجزته كتابات العدل من معاملات خلال ١٤٣٥هـ ٢،٤٠٣،٧٠٢ صك، منها ١،٥٣٩،٨٠٤ وكالات. وفي ١٤٣٦هـ تم إصدار ٢،٥١٢،٨١٥ صكاً، بلغ عدد الوكالات منها ١،٦١٠،٠٦٨. وفي ١٤٣٧هـ وصل عدد الوكالات الصادرة إلى ١،٦٦٥،٢١٨ وكالة. أما في ما يخص المعاملات المنفذة على العقار أمام كتابة العدل والمتمثلة في (إفراغ، فرز، رهن، دمج، تعديل، هبة.. وغيرها) فبلغت منذ بداية العام الحالي 508.200 معاملة، منها 80 ألف معاملة إفراغ صك بقيمة تصل إلى 60 بليون ريال. وبلغ عدد المعاملات في 1436هـ 649.958، منها 250 ألف معاملة إفراغ بقيمة تفوق 200 بليون ريال. وفي 1437هـ بلغ عدد معاملات الإفراغ 200 ألف، بقيمة تصل إلى 160 بليون ريال. أي بمعدل 1.6 مليون وكالة سنوياً. 200 ألف معاملة منفذة على العقار بقيمة 160 بليون ريال سنوياً. كل هذه المعاملات من دون مقابل مادي! هكذا رُسمت الدهشة في أعيننا! أظهرت الأرقام حجماً كبيراً جداً من المعاملات المنجزة، بعدها اقترب النادل لتقديم طلبنا، استقبلنا أكواب الشاي بابتسامة كانت كافية لصد أي محاولة لتشتيت تركيزنا بحجة طلب جديد. قلت: الآن أصبح الموضوع أكبر من مبدأ دفع رسوم، عدد سكان السعودية في ازدياد، وهذا يعني زيادة في عدد المعاملات، ممكن للدولة تحمل التكاليف اليوم، ولكن إلى متى؟ فجأة صرنا ثلاثة في النقاش، أنا وصديقي ورؤية 2030. المهم، مستنداً إلى الرؤية وعلى قاعدة كم للمجلس البلدي، استخرجت الآلة الحاسبة في الهاتف، وأجرينا عملية حساب بسيطة، إذ افترضنا أن الدولة وضعت رسم 100 ريال للوكالة الواحدة (تجب مراعاة حالات استثنائية لا ينطبق عليها الرسوم، كالأيتام) سيكون دخل الوزارة سنوياً 160 مليون ريال، علماً بأن الوكالة مدتها خمس سنوات، بمعنى لا آثار اقتصادية من تضخم أو ضعف للقوة الشرائية، ولا أثر مباشراً لجيب المواطن مستخرج الوكالة إلا بواقع ١،٦ ريال شهرياً ولمدة خمس سنوات، وكذلك معاملات العقار، أدري ستثور ثائرة العقاريين، مع العلم أنني والعقاريون ننتمي إلى الطائفة نفسها (القطاع الخاص). هنا وتجنباً للحساسية المفرطة - خصوصاً بعد فرض الرسوم على الأراضي البيضاء - كنا نتكلم عن عملية التوثيق للمعاملة أمام كتابة العدل فقط (تخيل قيمة الدخل لو فرضت نسبة ١ في المئة من قيمة العقار، مبلغ 1.6 بليون ريال لخزينة الدولة سنوياً!). لو طبق رسم ألف ريال للمعاملة سيكون مبلغ الدخل تقريباً 200 مليون ريال سنوياً. مجموع 360 مليون ريال سنوياً دخل إضافي لوزارة العدل من كتابة العدل ومن بندين فقط. نعم، قد يعترض البعض من فكرة الرسوم والضرائب، وهذا شعور طبيعي، فالمنطق يقول قدم لي خدمات وأنا مستعد. يتكرر الجدل ويدور في حلقة لا بد من كسرها. بسيطة من شابه أخاه الخليجي فما ظلم. مثلاً في الإمارات يطبق نظام رسوم كتابة العدل بشرائح تبدأ من 50 درهماً لتصل بحد أقصى إلى 10 آلاف درهم، وكذلك في قطر مبلغ ٥ ريالات لكل معاملة، مع إضافة خدمة التوثيق خارج الإدارة بالوصول إلى طالبها في مكانه في مقابل رسم إضافي يبلغ ٥٠٠ ريال ونسبة 0.25 في المئة من قيمة العقار، أما الكويت ففرضت رسوماً على الوكالات الصادرة قدرها ثلاثة دنانير، ولكن في السعودية بالمجان. ساد صمت كسره النادل هذه المرة مقدماً حساب الطاولة، ثم انطلق صادحاً «ناره»، هو يقصد فحماً للنرجيلة، ولكن النقاش استمر وكأنه يجلس على منقل الجمر. أصلاً هذه الأيام لا شيء ينافس موضوع الضرائب والرسوم حماوة. قلت لصديقي، أسمع لنتفق على شيئين: يبدو أن هناك «بيرماً تونسياً» في داخل كل منا، ويبدو أنها كلها للعيال. ويا طالب المعاملة لا تسأل كم للعيال وكم لكتابة العدل.     * رجل أعمال.

مشاركة :