في قصيدة «ما قاله الرعد»، من المقطوعة الشعرية الخامسة لديوان «الأرض اليباب» من تأليف الشاعر الإنجليزي توماس ستيرنس إيليوت، تتردد كلمات معدودات تعبر عن مأساة أرنوت دانيال: «من رعد الربيع فوق رؤوس الجبال البعيدة، كل من كان حياً طاله الموت، قعقعات وشقشقات وذبذبات الهواء الأرجواني القاتم. والأبراج المنهارة في القدس، وأثينا، والإسكندرية».كان الشاعر الإنجليزي الأميركي يُلمح عبر قصيدته إلى التصدعات التي تواجهها كل من أوروبا وأميركا في أعقاب الحرب العالمية الأولى (الحرب الكبرى) مع الأشجار الميتة، والأنهار الغارقة في التلوث، والصعود المزدوج للجشع الاقتصادي والاستبداد السياسي، بوصفها من أعراض التوعك الحضاري العميق والراهن. وبعد مرور أكثر من مائة عام، أعرب منظمو المسيرة الشعبية لنصرة المناخ والوظائف والعدالة، والتي نُظمت في واشنطن في 29 أبريل (نيسان) الماضي، عن مخاوف مماثلة إزاء المستقبل.أريد لهذه المسيرة أن تتزامن مع مرور أول مائة يوم للرئيس دونالد ترمب في منصبه الجديد، ومع المنتديات السياسية رفيعة المستوى التي تشهدها العاصمة الأميركية في ذلك الوقت من السنة المزدحمة بكثير من الأعمال.«العولمة الشاملة» و«قمة العشرين»شهدت اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الربيع (21 - 23 أبريل 2017) أكبر اندماج لبنك الاستثمار الأوروبي في مرفق البنية التحتية العالمية، وهو منتدى استثماري متعدد المساهمين تحت قيادة البنك الدولي. ورحب المدير المالي والمدير الإداري في مجموعة البنك الدولي يواقيم في. ليفي بالمشاركة الفعالة لبنك التنمية التابع للاتحاد الأوروبي إلى جانب المؤسسات الأخرى المتعددة الأطراف والمعنية بتعزيز نشر رؤوس الأموال الموجهة نحو جهود الاستدامة في الاقتصادات النامية في جنوب آسيا، وأميركا اللاتينية، وجنوب الصحراء الأفريقية، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.وألقى وزير المالية الألماني المخضرم فولفغانغ شويبله، كبير مهندسي قمة مجموعة العشرين المقررة في هامبورغ في يوليو (تموز) المقبل، خطاباً مؤثراً بشأن سيادة القانون، والاستقرار التشريعي، واستمرار التعاون ما بين الدول. ومع استثناء التغيرات المفاجئة والقرارات المنفردة، بدت جاذبية طرحه متأصلة في المجال الحازم للفلسفة اللوثرية القانونية. كما بدت كلماته مثل الشهادة السياسية، إذ أقر من خلالها، على نحو جزئي، ببعض أوجه القصور المشهودة في النيوليبرالية (والمقتصرة على آرائه الشخصية).وكانت التدابير التصحيحية التي اقترحها الوزير الألماني ترمي بالأساس إلى زيادة البنية التحتية بين الشمال والجنوب، واستثمارات الأسهم الخاصة بغية تحقيق الاستقرار في الاقتصادات الناشئة في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالتالي التخفيف من أزمة المهاجرين الأوروبية المتصاعدة. وقال رجل أوروبا الحكيم: «أخرجت العولمة مئات الملايين من براثن الفقر، ولكنّ هناك تصاعدا ملحوظاً في الإحباط لدى بعض الأوساط الأخرى التي إن تُركت من دون انتباه واهتمام فستسفر عن مزيد من الشعبوية الديماغوجية القميئة»، وأضاف أن «التنمية، والأمن (القومي)، والهجرة كلها من القضايا التي لا تنفصم عرى بعضها عن بعض بحال»، وحري بالمؤسسات الدولية متعددة الأطراف، مثل البنك الدولي وبنك الاستثمار بالاتحاد الأوروبي، أن تساعد في توجيه دفة المساهمات القوية لدى القطاعين العام والخاص نحو التنمية الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية.وتُشتق لفظة «الاقتصاد» نفسها من كلمة nemein في اللغة الإغريقية العامة للحقبة الهلنستية، والتي تعني «إدارة» أو «تخصيص» (الأصول). وفي نهاية المطاف، لا بد للقرارات الاقتصادية كافة من أن تستمد توجهها من التطبيق العملي المتدرج للمستثمرين المؤسساتيين المشاركين، وعلى رأسهم صناديق الثروات السيادية، وصناديق المعاشات في السعودية والصين والنرويج. ومن واجبنا نحن أن نعمل على الإسراع في تعميم التنمية المستدامة عبر فئات الأصول الاقتصادية كافة: الشركات الكبيرة والرائدة «المرئية»، والشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة «غير المرئية»، والسندات الحكومية الخضراء والصادرة عن المؤسسات العامة على مستوى الحكومات الفيدرالية، وحكومات الولايات، والبلديات، وغير ذلك من الأصول الملموسة مثل البنية التحتية. ولن يُكتب للتغيير وجود حقيقي إلا من خلال المشاركة الفعالة لأعضاء مجالس إدارات صناديق المعاشات الذين يملكون تحت تصرفهم أدوات الإشراف على سلسلة ملكيات الأصول من أجل الصالح العام.يبدو أن الأشهر الخمسة الماضية باتت تمثل نقطة التحول المهمة عندما يتعلق الأمر بتأكيدات مجالس الأمناء: بعض من صناديق المعاشات الاسكندينافية والتي تسيطر على ما يقرب من 300 مليار دولار من الأصول، جُردت من شركة «ريان إير» للطيران بشأن حقوق التوظيف، مما أوقع العقوبات القاسية برئيس مجلس إدارة أكبر شركة للطيران في القارة الأوروبية. وفي 25 أبريل 2017 تحتم على مجلس إدارة شركة «ويلس فارغو» الأميركية القابضة، وهي «أفضل مصارف الولايات المتحدة من حيث الأداء» «غلوبال فاينانس» وسابع أكبر شركة عامة في العالم مجلة «فورتشن» مجابهة تمرد المساهمين غير المسبوق إزاء ما قيمته 315 مليار دولار من الأصول. ونظام تقاعد موظفي القطاع العام في كاليفورنيا «كالبرس» بقيمة مائتي مليار دولار. ونظام تقاعد المعلمين في كاليفورنيا «كالسترس» بقيمة 170 مليار دولار. ونظم تقاعد الموظفين في نيويورك «نيسرز». واحتفظ رئيس مجلس إدارة «ويلس فارغو» القابضة ستيفن سانغر بمقعده بالكاد بنسبة تصويت بلغت 55 في المائة ليس إلا، وذلك من خلال مناورات مفعمة بالسخرية من جانب الملياردير وارين بافيت (في عام 2016 لم يسجل أي عضو في مجلس إدارة «ويلس فارغو» نسبة تصويت أقل من 95 في المائة).التنمية الوطنية و«الطريق الوسطى الجديدة»وجهت الاتهامات نحو أصول وسائل النقل الخاصة، ومرافق الصرف الصحي، والطاقة (بصورة غير منصفة في أغلب الأحيان) في «الإضرار الشديد بالبيئة» (خط أنابيب كيستون الرابط بين أواسط كندا وولاية تكساس)، و«تسميم الأطفال الأبرياء» (كارثة فلينت للمياه في ميشيغان) أو «تسريع الاحترار العالمي». كما لو كان الأمر لتبرئة الحكومات، وصناعة السيارات، والأعمال التجارية الزراعية، والمباني السكنية، وغير ذلك من القطاعات الخاصة الأخرى، من اللوم المتعلق بهذه القضية.لكن مع اعتبار وجهة النظر المناقضة، فسنقول إنه من فئات الأصول كافة، فإن البينة التحتية هي الأكثر قابلية للاستدامة البيئية، فعلى رأس العقد الحالي، تزعم المجلس العالمي للمعاشات التقاعدية فكرة مشاريع البنية التحتية القائمة على التنمية الخضراء إلى جانب مجموعة معتبرة من مجمعات الأفكار التقدمية. وتقدم المنتدى العالمي الأول للمعاشات التقاعدية الذي انعقد في باريس في سبتمبر (أيلول) 2010 بكثير من مبادرات السياسة البيئية الجديدة على جانبي المحيط الأطلسي. كما عززنا كذلك من فكرة المدن السكنية الخضراء في أوروبا الشرقية، والمغرب العربي، والخليج العربي، وجنوب آسيا، مع الإصرار المبكر على حاجة خبراء التنمية الاقتصادية، ومخططي المدن، والمهندسين المدنيين، والمهندسين المعماريين إلى العمل بصورة كلية ضمن إطار متكامل يحترم بادئ ذي بدء المعايير المالية والبيئية واللوجيستية والثقافية والصحية كافة.وفي 23 مايو (أيار) 2017، أعلن مجلس إدارة صندوق الاستثمار العام في المملكة العربية السعودية، والذي يعد أكبر مؤسسة للثروة السيادية على مستوى العالم، اعتزامه استثمار 20 مليار دولار في أصول البنية التحتية الحديثة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. جاء القرار بمثابة إشارة واضحة على التقارب الجيو - سياسي ما بين واشنطن والرياض، لكنه أيضاً يأتي في إطار قرارات الاستثمار طويلة الأمد التي تتسق مع توجهات «رؤية السعودية 2030»، مشروع ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، نحو التنمية الوطنية القائمة على تنفيذ مشاريع البنية التحتية المتطورة في الداخل وفي الخارج.كما أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ على هذا النهج البنّاء في «منتدى الحزام والطريق» الذي انعقد في بكين منتصف الشهر الماضي، في قمة دولية شهدت جني ثمار «طريق الحرير الجديدة» مع دعم وإسناد من حكومات بريطانيا والمجر وإيطاليا وبولندا وروسيا وإسبانيا وسويسرا، وهي مجموعة جداً متميزة من الدول الغربية التي يمكن أن نطلق عليها مسمى «أوروبا الأخرى». كما أكد الزعيم الصيني كذلك على التزامه الثابت حيال أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، باعثاً برسالة قوية إلى جميع أنحاء العالم لصالح الاستثمارات المستدامة، وذلك من خلال العمل سوياً لتطوير أفق التعاون بين الشرق والغرب، ومن خلال تعزيز مجالس المعاشات التقاعدية، وسيادة القانون، ومن خلال تجارب أطر الشراكات المبتكرة بين القطاعين العام والخاص، إذ يمكننا بناء النظام العالمي المنصف والمستدام، مما يساعدنا على الحفاظ على تراث الحريات السياسية والفكرية والثقافية، بينما نفسح المجال في الوقت نفسه أمام مستويات فائقة من الرعاية الاجتماعية والأمن الاقتصادي.
مشاركة :